أقلامهم

خلود الخميس ترى أن النموذج الكويتي آيلٌ لشيء ما..

النموذج الكويتي آيلٌ لشيء ما..
خلود عبدالله الخميس
ولن أقول أيل للسقوط, فالدولة التي مواطنوها بوعي الشعب الكويتي لا يمكن أن يسقط فيها شيء, ولكنها التحولات المرافقة للتطور الاجتماعي والسياسي, وعالمية التطلعات, وشمولية الرغبات التي جعلت النموذج الديمقراطي والحريات العامة آيلة لشيء ما, ومدع من يجزم بمعرفة هذا الشيء ولكننا سنطرح ما هو متوقع طبقاً للمعلومات والحقائق والمنطق, وتبعاً لطبيعة وخصوصية الشعب والتجربة بكل تفاصيلها الإقليمية.
التجربة الديمقراطية الشورية في الكويت هي أبعد من عمر دستور 1962 وذلك لأن أسرة الحكم موجودة قبله وبالتراضي والتشاور مع العائلات الكويتية, لذلك سننطلق من عمق التاريخ لنفهم الجغرافيا ومن ثم نأخذهما معاً لاعتبارات المورد الأوحد للدخل والأنموذج الاجتماعي للمشاركة الشعبية وإبداء الرأي ثم نعود للحاضر.
الشعب الكويتي يبدي رأيه من دون طلب, هكذا هو. لذلك فمن الطبيعي جداً أن يخرج للشارع عندما يشعر بخطر على فِيهِ من الانطلاق والتعبير, خصوصاً بعد أحداث كانت نذير سوء آت مثل تكرار حل مجلس الأمة دستورياً, ولجوء الحكومة للمحكمة الدستورية لإبطال مجلس 2012, وإعادة 2009, ومن ثم إحالة الحكومة أيضاً مرسوم الدوائر الخمس بأربعة أصوات لها رغم مرور ست سنوات وأكثر من المجلس على العمل به, رغم صمتها آنذاك, ووجود ملفات التحويلات المشتبه بها كمال سياسي تم من خلاله شراء ذمم مجموعة من نواب برلمان 2009 ليكون للحكومة أغلبية عند استجوابات وزرائها أو رئيسها ليسقط أي طلب طرح ثقة. فوضى سياسية!
هذه القضايا ليست بالبساطة التي قد تقرأ بها, فملف الفساد قد أثخن وأتخم ولم يعد قادراً على ستر عورته, وانكشفت الكثير من الأقنعة للحكومة ومواليها وحتى بعض المعارضة ليسوا بالنزاهة التي يدعون.
مع هذا الغليان السياسي هناك من روج أن الحراك يستهدف مصير الأسرة الحاكمة بهتاناً, وليس بخافٍ أن ذلك بدعم من بعض أبناء الأسرة, الجناح المعارض لسياسة إدارة البلاد, طمعاً في المشاركة بالإدارة لا دعماً لحقوق الشعب, ولكنه استخدمه ليرشق به خصومه بالترضيات والمال السياسي, ونجح إلى حد ما.
في وجود فوضى الإدارة من الطبيعي أن يدخل التخوين ولغة الإقصاء والتشكيك بالولاءات وتوزيع صكوك الوطنية, فغذى النار من بيدهم البنزين, كلما خمدت زادوها للدفع باتجاه حل قمعي ضد الشعب الأعزل الذي يحمل أعلام الكويت وصور سمو الأمير ولا يريد إلا أن يحافظ على تجربته الدستورية لا أكثر, لم يطالب إلا بالموجود أصلاً منذ نصف قرن!
بدأت التهم ترتب وتجهز باتهامه بالتآمر على الحكم والتعدي على مسند الإمارة, وللأسف فإن تهور بعض أقطاب المعارضة واستخدامهم الاستفزاز اللفظي أسرع حركة طحن الحب في الرحى, وقبض على من قبض عليه, وأطلق سراحهم بعد ذلك بقرارات وتصرفات فردية عشوائية وكلها ردود أفعال افتقدت للحكمة من الطرفين, فهزت هيبة القانون المتهم بالانتقائية أصلاً.
أما التوطئة لبعض المراسيم الشعبية بغياب البرلمان وكسب فضل المبادرة عبر جس نبض الشارع ببث غير رسمي لنوايا إسقاط القروض على المواطنين ورفع الرواتب وزيادة القرض الإسكاني فقد فشلت في التأثير على الحراك الذي التزم سلميته رغم العنف اللامبرر من الأجهزة الأمنية, التي تكالبت بلا داعٍ إلا استعراض القوة, وكان استعراضاً سمجاً مخيباً لاحترام الشعب وفشل أيضاً في شق صف العسكر والمدنيين.
كل ما سبق سببه الفوضى في القرار, وتراكم سوء الإدارة التنفيذية, فلا تتحمل حكومة واحدة الوزر كله, بينما بالتأكيد منهج التفكير يفعل.
بالتأكيد تحول ما في الطريق, ففي الديمقراطيات الناشئة وتجربة الكويت منها فهي لم تتعد الخمسين عاماً, يتخلل الطريق عوامل عدة. المطبات توجه المجتمع نحو التهدئة والتروي للتدقيق في التجربة ولإمكان التعديل قبل المضي, وأغلب الديمقراطيات لا تخلو من هذه المطبات بل تعتبرها ضرورة لإصلاحها.
أيضاً ضخ الوقود لزيادة سرعة دوران العجلة من عوامل الطريق للتغيير في تلك الديمقراطيات, ولكن الاثنين البطء والسرعة عاملان هادمان إن لم يكن كل في مكانه ووقته, جغرافيا وتاريخ مع استحضار الظرف الإقليمي. والمنظومة السياسية الدولية لفهم إمكان إيجاد نموذج ممكن للتغيير في الموارد المتاحة.
وأظن أن الحراك الشبابي الكويتي ظلم بقذفه بعدة تهم لعزله اجتماعياً بأسلوب فرق تسد الكلاسيكي, بوصمه بالتبعية لأجندات سياسية خارجية, والتآمر على أسرة الحكم, والتمويل الخارجي, وإثارة الفتن وهو يطالب بالعدل بتطبيق القانون, وحق التعبير عن الرأي, ومطالب بإصلاحات مشروعة تمس التنمية وتوزيع الثروة المحدودة بمورد واحد بصنبور واحد, وهذه قضية أخرى تزيد وقع النزاع, ولكن الكويتيين غيروا مقولة «فرق تسد» بالتفاف أطياف الحراك بمختلف شرائح المجتمع على بعض إلى «فرق نسد»!
وكل تلك التهم جزافاً لا تعشعش إلا في عقول ترفض أن تتفهم أن هناك «نشاط فساد» ومن الطبيعي أن يكون له «نشاط إصلاح مضاد». لكل فعل رد فعل مساوٍ له بالمقدار ومضاد له بالاتجاه, فيزياء لا أكثر, ولكن لا تزال هناك آذان تصغي للهرطقات!
لما سبق, نعم النموذج الكويتي الديمقراطي آيل لشيء ما, ولكننا نتمنى أن يكون للأنضج, الأكثر انفتاحاً, أقوى وأشد صموداً أمام تحديات المستقبل. فالتاريخ دائماً يسير للأمام, ويقطع جسور العودة خلفه.