أقلامهم

إقبال الأحمد: لتكن المفاجأة شيئا جديدا غير المنح النقدية والاجازات والعلاوات والمكافآت ومجانية التموين.

هل جلست السلطة مع المعارضة؟!
إقبال الأحمد
احتفلنا بذكرى الدستور، وسعدنا، وانتشرت جموع البشر في الشوارع ومن الشبابيك والبلكونات المطلة، واليخوت والمراكب في البحر تتابع – بكل شغف وحب وسعادة – الألعاب النارية التي أبهجتنا كلنا.. وعدنا الى بيوتنا، ونحن نثني على المنظمين وجهود المنظمين و«الاعلام» و«الداخلية».
وماذا بعد..؟!
توقفت عند هذه اللحظة، ولم اعرف هل انا سعيدة ام حزينة؟ هل هذا الشعور وقتي ام دائم؟! اشعر بأن قلبي يعتصر، وارغب في البكاء على حال هذا البلد.
استمعت الى خطاب سمو امير البلاد لهذه المناسبة، وشدتني كلماته الكبيرة الابوية، نتفهم، نتقبل، نرحّب، نتعاون، اتزان، حكمة، البعد عن الانفعال… كلمات رقيقة من اب لابنائه الاشقياء منهم والعقلاء، توحي بان نفسا حنونا يخرج من بين سطور الخطاب.. ولكن!
هذه الكلمة (ولكن) حرقتني بحق.. ومن باب حبي لهذا الوطن بكل اطيافه والوانه، ملزوم علي ان اطرحها امامكم كلكم، وأسأل عمَّا وراءها.
سمو الامير – حفظه الله – التقى وفودا رائعة مثلت مكونات المجتمع – رجالا ونساء، ورجال دين ورجال اعمال ورجال قبائل – مئات المئات من افراد الشعب التقاهم سموه واستمع منهم حلو الكلام، واستمعوا منه حلو الكلام، فخرج الجميع مطمئنا وفرحا بهذه اللقاءات.. ولكن!
نتمنى ان تدعو السلطة المعارضة كاملة بكل اطيافها وبشكل جماعي، ليتم الاستماع اليها بهدوء وبعيداً عن الحماسة المفرطة في الندوات والمسيرات.. نحن نحتاج الى مبادرة كبيرة قدر قيمة وأهمية هذا الوطن.. قدر اهمية السلم والاستقرار فيه.. قدر شعور كل الشعب الكويتي بكل اطيافه واتجاهاته بالحنين الى الامن والهدوء.
نعم، قدر ما تم الاستماع اليه من حلو الكلام نحن نحتاج الى ان نستمع الى بعض القول الذي قد يكون صعبا وقاسيا.. ولكنه ابدا لن يكون مستحيلا.. فأي مبادرة ايجابية لا بد ان تصل الى نهاية مُرضية.. فماذا اذا كانت مبادرة عالية وسامية المستوى من قلب عظيم يتسع لكل ابناء هذا الوطن بكل اطيافه، وهو ما لمسناه بكل حنان من خطاب سمو الامير الوالد؟!
نحتاج الى الجلوس مع وضد على طاولة دائرية تتسع لكل من يحب هذه الارض ويريد الخير لها، وتبحث كل اسباب الاختلاف، و«تفصص» كل المطالب وتجزئ بشكل يسمح ببحث هذا ورفض ذاك، وقبول هذا وتأجيل ذاك، والتأكيد على هذا والتفكير بذاك.
نعم، قد لا يرغب الكثيرون في حدوث هذا من واقع ان لا مجال للجلوس والبحث مع هذا الطرف او ذاك، ولكن حبا في الكويت، ورغبة في المحافظة على نسيجنا وترابطنا وكياننا وسط هذا العالم المتلاطم يميننا وشمالنا.. علينا ان نقبل الجلوس، وعلينا ان نقبل الحوار، وعلينا ان يقبل بعضنا بعضا، لاننا في النهاية اخوة واشقاء، خلقنا الله لنحب بعضنا اليوم ونختلف مع بعضنا غدا.. ولكننا ابدا لا يتبرأ احدنا من الآخر مهما وصلت بنا اختلافاتنا ومهما عصفت بنا خلافاتنا.
نحن كلنا بدو وحضر، شيعة وسنة، لا شيء.. تعرفون ما معنى لا شيء؟! نحن لا شيء من دون وطن.. ومن نسي ما كنا عليه ايام الاحتلال، من كان داخل الكويت او خارجها، عليه ان يعيد مشاهدة افلام الغزو والاحتلال التي صورت مرارتنا وحسرتنا وذلنا وضياعنا، لاننا فقدنا الكويت، لاننا فقدنا امنا، لاننا فقدنا الحضن الدافئ الذي كان يلفنا ويقينا شمس الصيف الحارقة وبرد الشتاء القارس.
لتكن المفاجأة – التي يتحدث عنها الجميع، تلك المبادرة – شيئا جديدا غير المنح النقدية والاجازات والعلاوات والمكافآت ومجانية التموين و..و..و.. فتلك كلها منافع لحظية قصيرة المدى لا تؤتي ثمرها الا بهجة يوم او اثنين.. ثم تضيع مع مواجع اللاستقرار والخوف من المستقبل.. ولو ان الاموال تسعد الانسان لكانت المنح التي حصل عليها الشعب الكويتي من اصحاب القلوب الكبيرة، ما زالت مكان تأثير فينا كلنا.. ولكنها نسيت كلها بعد شهر فقط من منحها.
ما نرغب فيه مفاجآت تثير الطمأنينة في قلوبنا.. وتشد حبل الخيل المنطلق الى هاوية سوداء، فتوقفه قسرا، ثم تهدئ من روعه وتمسح عليه ليلتف ويعود الى طريق الصواب الى الخط الذي يعيده الى بر الامان.
ربما تكون هناك مبادرة لا نعلمها.. او ان هناك اي عثرات واجهتها.. فنحن نتطلع الى تكرارها وعدم اليأس من اجل بقاء الوطن.. لعل وعسى ان تجد اي مبادرة صدى من عقلائنا وما اكثرهم.. وذلك ليس ايحاء بضعف او ما شابه ذلك معاذ الله! ولكنه تأكيد على صون الوطن وحمايته مما هو قادم من شدائد الايام، لان اختلافنا يجب ان يكون اختلاف بناء.. لا اختلاف فناء.