أقلامهم

محمد الجاسم: السعي لتحقيق التوازن في المجتمع ليس وصفة ذاتية، بل هي من طبيعة المجتمعات الإنسانية.

الميزان
التوازن 
محمد عبدالقادر الجاسم
التوازن في العلاقات السياسية مسألة في غاية الأهمية لاستقرار المجتمع، فمتى ما اختل التوازن ومالت الكفة باتجاه واحد، بدأ الاضطراب وسادت الفوضى أيا كانت المناسبة والتفاصيل. وقد سبق لي أن كتبت بحثا حول هذا الموضوع في كتابي «روح الدستور» الصادر في العام 2007.
إن السعي لتحقيق التوازن في المجتمع ليس وصفة ذاتية، بل هي من طبيعة المجتمعات الإنسانية، فتوفير الأمن والعدل والاستقرار وتلبية الحاجات الأساسية للإنسان في المجتمع هي الغايات الأساسية التي يجب على السلطات تحقيقها في أي مجتمع، لذلك كان لابد من تحقيق التوازن بين متطلبات الحفاظ على إرادة الإنسان وحريته، ومتطلبات ممارسة السلطة العامة بما لها من قدرة على الفرض والإجبار. كما كان لابد من تحقيق التوازن بين حقوق الإنسان وواجباته، وتحقيق التوازن في العلاقات القانونية بين أفراد المجتمع. 
فإذا نجحت السلطة العامة في وضع قوانين تقوم على أساس فكرة التوازن في العلاقات التي تنظمها من جهة، وفي تحقيق التوازن بين الإرادات والمصالح الفردية من جهة أخرى، وإذا نجحت في تحقيق التوازن بين مجموع الإرادات الفردية والإرادة العامة، فإن هذا يكفل التزام الأفراد بالقوانين الوضعية وقبولهم باستمرار الخضوع جزئيا، للإرادة العامة التي تمثلها السلطة العامة. أما إذا جاءت القوانين الوضعية مخلة بفكرة التوازن، فمن المحتوم أن ترفض الإرادات الخاصة الانصياع لها، فيحدث الصدام بين الإرادات الخاصة، أي الأفراد، والإرادة العامة، أي السلطة.
إن الفرد لم يتنازل عن جزء من حريته وإرادته، ولم يودع هذا الجزء في يد السلطة العامة، ولم يسع للتحكم في غريزته، إلا بهدف ضمان تمتعه بالسلم والأمن والاستقرار، صيانة لمصلحته التي هي غايته في البدء وفي المنتهى، ومن ثم وجب أن يسود التوازن علاقة الدولة بالفرد من خلال قوانين وضعية أساسها التوازن، وهو غايتها وجوهرها وروحها كذلك، في إطار هدف عام تحتل فيه إرادة الفرد وحريته واختياره وحقوقه ومصلحته مكانة القلب في الجسد.