أقلامهم

ساجد العبدلي: السلطة تعتقد، وهي واهمة جداً، بأنها تمسك بزمام الأمور، وأنها قادرة على استبقاء الواقع السياسي.

نضوج شعبي! 
كتب المقال: د. ساجد العبدلي
على الرغم من اللون القاتم للمشهد السياسي المحلي حالياً، وكذلك الإحساس العام السائد بأن الأمور لا تسير إلى أي وجهة إيجابية بناء على مؤشرات الواقع، فإنني أؤمن بأن الأمر على العكس من ذلك تماماً، وأنه إيجابي جداً في المحصلة العامة، خصوصاً إن نحن عزلنا هذه المسألة عن ذلك الشعور الملحّ، وتلك الرغبة الدائمة في استعجال النتائج والقطاف بسرعة.
أقول هذا لأني أؤمن تماماً بأن هذا الحراك والمخاض المستمر وسجال الفعل ورد الفعل المتواصلين بلا هوادة، وعلى الرغم من كل ما يشوبها من تخبط تارة وانفعال وطيش تارة أخرى، سيؤدي بطبيعة الحال في النهاية إلى تشكل الرؤى وتبلور الأفكار وتطور الأدوات لدى مختلف القوى والحركات والجماعات المنخرطة في الشأن السياسي، بل حتى تلك التي قررت “حاليا” التزام جانب الحياد شيئاً ما.
كما أن الأجمل في الموضوع، هو أنه بمقدار تشكل وتبلور وتطور هذه القوى والحركات والجماعات، وهي التي تشكل في مجموعها عموم الفئات الشعبية، فإن السلطة مستمرة في التقهقر والنكوص في الاتجاه المعاكس بعيداً عن الديمقراطية والحرية والانفتاح والمشاركة، وذلك من خلال ممارساتها وانفعالاتها وعنفها، وكذلك قراراتها التي تظن أنها تغازل الشعب من خلالها في حين أنها تكرس ضعفها وتآكلها.
تقهقر السلطة ونكوصها عن معاني ومبادئ الديمقراطية والحرية والانفتاح والمشاركة يخلف فراغاً أكيداً بطبيعة الحال، وعندما يتشكل الفراغ في أي واقع، فهناك من سيتمدد فيه ليملأه حتى لو لم يدرك ذلك أو يريده، وهذا ما هو حاصل حالياً في واقعنا، فالجميل أن هذا الفراغ الحاصل آخذ بالامتلاء بطروحات ونشاطات وفعاليات الحراك الشعبي الآخذ بالتبلور والتشكل بدوره في صور أكثر نضوجاً وعمقاً.
السلطة تعتقد، وهي واهمة جداً، بأنها تمسك بزمام الأمور، وأنها قادرة على استبقاء الواقع السياسي على حالته الماضية والتي كانت في حقيقتها ليست سوى هيئة ديمقراطية عرجاء معيبة، ولن أقول هيئة زائفة ترتدي قناع الديمقراطية حفاظاً على المشاعر المرهفة، لكن كل الدلائل تشير إلى أن الأمور قد انفلتت من عقالها، وأن الخنوع والبقاء بتلك الحالة الساذجة قد بات مستحيلاً اليوم.
كان الناس سابقاً في خدر دائم، حيث كان البرلمان في سجال مستمر مع الحكومة، مما أعطى إحساساً زائفاً بأن لدينا ممارسة ديمقراطية حقيقية، وأن لدينا سلطة تشريعية فاعلة، وأن هناك من يتصدى للفساد ويوقف عجلة التدهور بشكل من الأشكال، في حين أن الأمر في صميمه كان بعيداً عن كل هذا، وكان مجرد ممارسة عبثية استنزفت الكثير من الجهد والوقت وكذلك المال، ومع ذلك قررت السلطة أن ترمي بذاك كله في البحر بهوج ليس له مثيل.
 ومع أن الناس خرجوا إلى الشارع يطالبون السلطة أن تعيد لهم ذلك الواقع “الديمقراطي الزائف”، حيث كانت أقصى أماني أغلبهم عودة الأصوات الأربعة حتى يستعيدوا برلمانهم “منزوع الفاعلية” لا أكثر، إلا أن السلطة أمعنت في الرفض والافتراق والابتعاد.
ما حصل من عناد وقمع وعنف من جانب السلطة، شكل في النتيجة رصيدا كبيرا للتطور الفكري الشعبي، فقطاعات كبيرة من الناس اليوم، من مختلف الفئات والتوجهات، باتت تؤمن بزيف هذه الديمقراطية برمتها، وبفساد السلطة قاطبة، ونضجت عن سذاجة المطالبة فقط بعودة آليات الانتخابات السابقة إلى التفكير والحديث والسعي إلى ما هو أكثر نضوجاً وأوقع تأثيراً.
والآن صرت أؤمن يقينا بأن المسألة بكاملها مسألة زمن، وليست بحاجة إلى صدامات أو مواجهات عنف بين الناس والسلطة، بل هي معركة سلمية من الصمود والثبات، والوقت كفيل بإنضاج المطالبات ووضعها من ثم على طاولة المواجهة وإنزال السلطة من عليائها الموهوم لتقف عندها فتستجيب. راقبوا الأحداث، يا سادتي، وتابعوها وسترون ما أقول لكم، طال الزمان أو قصر.