أقلامهم

عبدالهادي الصالح: الشيعة في جيب الحكومة

مع حفظ جميع المفردات الدستورية، واواصر الوحدة الوطنية، لا بد ان نسمي الأشياء بأسمائها الحرفية الصريحة، والتي درج الإعلام السياسي أخيراً بترديدها من دون تحفظ. 
من المؤكد تاريخياً ان الشيعة في الكويت موالون للنظام السياسي وفاء لاتفاق اهل الكويت على صباح بن جابر حاكما للكويت الأول، ومن ثم ذريته التي توجت دستورياً فيما بعد في ذرية مبارك الصباح، مع كل التضحيات التي قدموها بلا منة ولا كلل لوطنهم بجانب اقرانهم اهل الكويت من مختلف اطيافهم، لكن شعورهم بأن السلطة دائما تفرزهم على انهم مواطنون درجة ثانية مشكوك في ولائهم للخارج، وعلى الاخص ايران احدى البلدان التي صدر منها المهاجرون الاوائل من ضمن البلدان المجاورة الذين تجمعوا في منطقة «الكوت» التي كانت مجرد مخزن للصيادين تحت نفوذ بني خالد في حوالي القرن السادس عشر الميلادي، وربما لأن ايران العرق غير العربي، والتي يتمذهب اهلها على الاغلب بالمذهب الجعفري، رغم ان الشيعة حالهم حال كل مواطني الكويت المهاجرين أصلا من البحرين والاحساء والحجاز والعراق وغيرها، وكانوا رغم هذا الوفاء يتعايشون مع اهمال السلطة لهم، واستمرأ ذلك وجهاء الاسر الكبيرة ورواد النهضة ضد الاجانب ابان الحماسة للعروبة ضد الاجانب، ولذلك تم اقصاء الشيعة من مشاريع الاصلاح السياسي، والتي اشهرها رفع وثيقة 12 فبراير 1921 لإصلاح بيت آل الصباح آنذاك، وكذلك ترشيحات المجلس التشريعي يوليو – ديسمبر 1938، طبعا مع اهمالهم من عضوية المجالس الادارية التي انشئت في تلك الفترة مثل شؤون البلدية والتعليم والصحة والاوقاف.. وكذلك مجلس الشورى الأول 1921. واستمر الشيعة مع اقرانهم المواطنين في تلبية الواجب الوطني بالدفاع عن البلاد، وكان اول ذلك باستفتاحه بمجموعة شهداء من ضمنهم محمد الشمالي ونجم الوزان في معركة الرقة ضد بني كعب عام 1776م، وما تلا ذلك من معارك، إلا بعضها تم التحفظ على اشتراك الشيعة مباشرة فيها لحساسيتها الدينية، كما عبّر عن ذلك امير الكويت الراحل الشيخ احمد الجابر، عندما اعتذر من السيد مهدي القزويني، الذي سار حافيا هو وجماعته من الحسينية الخزعلية في منطقة شرق، وسلاحه على كتفه، الى قصر نايف، حين قال الشيخ، رحمه الله: «يا سيد انك تعلم بأن الاخوان يكفروننا ونحن على مذهب السنة، فإذا علموا بخروجكم الى قتالهم وانتم على مذهب الشيعة فسيزيد هذا من حماستهم، وتتعقد علينا وعليكم الامور وتشتد الازمة، وتم الاتفاق على ان يتولى الكويتيون الشيعة حراسة المدينة، ويذهب الاخرون للقتال في معركة الجهراء.
 
انكشاف حقيقة النظام العراقي
لكن التاريخ السياسي الكويتي يشهد تعاظم الاتهام بعدم الولاء إبان الحرب الايرانية ــ العراقية، حيث وقف الاعلام الكويتي والخطاب والدعم الرسمي اللامحدود مع النظام البعثي العراقي ضد دولة المجوس الفارسي، كما يسمى ازدراء ليس فقط لايران، ولكن من يشابه شعبهم في المذهب الديني، حتى انطفأ هذا الهوس على مفاجأة حقيقة النظام العراقي، الذي افترس الكويت عن بكرة ابيها خلال ساعات في 2 اغسطس 1990م، ولكن الله سلم، الذي سخر وحدة شعبها لمصلحة الشرعية الدستورية، ثم بدعم مسلح من دول التحالف العالمي برئاسة اميركا ليوم تحرير الكويت، التي تفاءل شعبها بفجر جديد يلقي بأخطاء الماضي خلفه.. ولكن شيئا فشيئا بدأ يتسرب الفساد مرة اخرى بكل اشكاله الى مفاصل الدولة، التي كانت تتعمّد تارة، وتارة اخرى تتراخى في مواجهته بجدية حتى استفحل، وصار جزءا من اعراف ادارة مؤسسات الدولة، واصبحت خطط التنمية والاصلاح الوطني محصورة في الخطابات المنمقة ضمن وعود زائفة، تنامت خلالها مشاكل البلاد وتضخمت على أساس ان الكويتيين الشر منهم مأمون، فهم مترفون ومستهلكون بأسباب الترف والخمول والكسل، لكن القهر يغلي ويفعل افعاله داخل انفسهم لاسيما وهم يقارنون بلادهم بالاشقاء الذين كانت الكويت تبني لهم المستشفيات والمدارس تأسيا بالاخوة والجيرة. ومن ذلك تمادت مؤسسات الدولة في التمييز بين المواطنين دينيا وقبائليا، ثم بدأت الاحزاب السياسية الدينية تسيطر عليها من خلال مقايضات سياسية مع السلطة، فأصبحت هذه المؤسسات الراعي الاول للطائفية في البلاد، وتتعامل بخدماتها للمواطنين غير الموالين لجماعاتهم، ومنهم الشيعة بالاخص بالقطارة، ضمن شعار «قوت لا يموت»! وهذه المشاعر بالقهر والظلم قد تنامت لدى المواطنين الشيعة، وقد عبر عنها وجهاء القوم ونوابهم ووزراؤهم مرارا وتكرارا لدى الجهات المسؤولة، وكان الجواب الحاضر دائما: لا نرضى بالتفرقة، ومن يثبت عليه، فان القانون صارم في هذا الشأن، ولا فرق بين جعفري وسني! ومع ازدياد وتيرة الاحتقان السياسي بين الحكومة ومجلس الامة، والتي انفجرت على شكل تجمعات ساحة الارادة، وما ردده رموز طرف الاحتقان في مجلس الامة من عبارات واقتراحات تنم عن كراهية وازدراء بالشيعة، اضطر مرة اخرى نوابهم الى الاصطفاف مع الحكومة تحت ضغط مصلحة البلاد كما يصرحون بذلك، ورغم اعترافهم بفساد الحكومة والاعيبها الماكرة في استغلالهم بلا مردود على مستوى معالجة مشاكل البلاد وقضايا مواطنيهم التي سماها بعضهم مطالب طائفية، رغم انها تدخل في عنوان حق المواطنة الدستورية، وكان اساس هذا الاستغلال سياسة «الجيب المضمون».
بمعنى أن الشيعة «أيش ما تسوي معاهم فالخير منهم مأمول والشر منهم مأمون»، بينما في الخفاء ومنذ أمد بعيد تسير المقايضات السياسية بين أطراف السلطة الحكومية والجماعات السياسية الأخرى من خلال توزيع المناصب وفتح هيمنتهم وسطوتهم على بعض مؤسسات الدولة أو تلك الشركات المساهمة التي للحكومة فيها نصيب الأسد، وكذلك من خلال الهبات من المال العام ولو تحت عناوين أخرى.
 
عريضة شيعية لبعض النواب
واستمر هؤلاء النواب في سياستهم الأخيرة ما بين مهادنة الحكومة للمصلحة العامة، وما بين استمراء حضن الحكومة الدافئ المعطاء.. ولكن الشيعة في دواوينهم يواجهون هؤلاء النواب بمزيد من التقريع والنقد اللاذع، مما اضطر هؤلاء النواب للشكوى الى الجهات العليا مرات بعد مرات بأنهم سيواجهون صعوبة في الانتخابات المقبلة ازاء هذا التعنت الحكومي في الاستجابة الى المطالبات الإصلاحية الوطنية، ومنها المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص بلا تمييز بين النسيج الكويتي. ولا أبوح بسر بالقول انه قبل سنة تم إعداد عريضة خاصة مطولة من مجموعة المواطنين الشيعة سلمت الى بعض هؤلاء النواب تخاطبهم وتوبخهم على مواقفهم المتخاذلة أمام السلطة الحكومية، وهم بهذه الشراسة من الدفاع عنها ومن نص هذه العريضة ما يلي:
 
النائب الفاضل..
إننا لا ننطلق في مناشدتنا هذه من حسابات المطامع الشخصية، ولا من التعصب الفئوي الضيق، وإنما من منطلق المواطنة وما احاطها دستور دولة الكويت من ضمانات كريمة في الحقوق والواجبات، ضمن مبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص، لا تمييز بين المواطنين بسبب الدين أو الأصل.
غير انه للاسف مازالت الانتهاكات مستمرة في هذا الصدد، ولا يُلتفت الى تلك المبادئ التي اؤتمنت عليها بالدرجة الاولى السلطة التنفيذية (الحكومة)، ضاربة عرض الحائط بحرمة التمييز بين مواطنيها في الحقوق والمكتسبات، حكومة للاسف يقودها صراخ الشوارع ويرعدها توعد نواب، فتستجيب مسارعة دون النظر الى الكلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية من رصيد عزة الوطن وكرامة مواطنيه.
واذا كان حسن الظن فيكم دائما ماثلاً في عيون مؤيديكم وعقولهم، بصفتكم محلاً للحكمة والنظرة البعيدة الثاقبة، فإن منهجيتكم في مواقفكم تجاه سياسة الحكومة باتت دون مردود على مستوى اصلاح الفساد بأنواعه، حتى عد ذلك ضعفاً منكم ومهادنة في غير محلها، تقفون في كل مرة حراساً اشاوس ضد تفعيل اداة اسقاطها عبر الادوات الرقابية الدستورية.
ونحن اذ نتابع ذلك كنا نلتمس لكم العذر تلو العذر، وها هي سنوات ادوار الفصل التشريعي شارفت على الانتهاء حتى نضبت كل اسباب العذر، وكأنكم جافيتم قول امير المؤمنين عليه السلام «كن في الفتنة كابن اللبون، لا ظهر فيركب، ولا ضرع فيحلب».
اننا نناشدكم باسم حب الوطن، وباسم الحفاظ على الدستور وباسم القسم الذي اقسمتموه، ان تقوموا الآن بمسؤوليتكم تجاه الانتهاكات، فإلى متى تستمرون في دوركم مجرد ضرع يحلب ومازال مواطنوكم يعانون التمييز وانتهاك حقوقهم؟ نتمنى ان تصل منكم رسالة الى الحكومة بأنه لن تستمروا في تلبس دور «الضرع» دون ان يكون تعديل لاعوجاجها نحو التعامل مع مواطنيها على حد سواء.
فمن الحيف الصمت إزاء هذا الوضع الذي يستقوي من خلاله نواب التأزيم ويزدادون قوة بعد قوة من خلال دعم الحكومة ومسارعة لرغباتهم، واستجابتها لطلبات ناخبيهم الفئوية! ويتم توزيع المناصب المهمة للمقربين وعائلاتهم! بينما أنتم للأسف تزدادون ضعفا وهونا في عيون مؤيديكم.
الانتهاكات مازالت مستمرة
وحتى لا نكون في محل التجني على الحكومة، ولا في محل التزوير على الحقائق، فإننا نلفت أنظاركم إلى استمرار الانتهاكات، والتراجع والتراخي في حق المواطنة على نحو العدالة والمساواة رغم كل المحاولات والمناشدات واللقاءات والمكاتبات التي كانت تصل الحكومات الكويتية على مدى عدة عقود متتالية، كان المواطنون ونوابهم على مدى الفصول التشريعية السابقة يتلقون الوعود البراقة والآمال المشرقة التي كانت تمحوها رياح اللعب السياسي الحكومي المستمر. وإليكم نماذج منها (على سبيل المثال وليس الحصر):
1 – لوحظ خلو العدالة والمساواة من عضوية المجالس العليا إلا النزر الذي يمثل ذر الرماد في العيون، ولاسيما تلك التي تحتاج تعددا في الآراء والمدارس الإسلامية ومنها:
أ – اللجنة الاستشارية العليا لاستكمال تطبيق الشريعة الإسلامية.
ب – المجلس الأعلى للأوقاف.
ج – الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية… وغيرها.
2 – المناصب القيادية كالوكلاء والوكلاء المساعدين ومديري المناطق الصحية والتعليمية والاستثمارية والمحاسبة ومجالس القضاء والتعليم التطبيقي والجامعة.
3 – التمييز في قبول طلبة الكليات العسكرية.
4 – التمييز الديني الذي تمارسه وزارة الاوقاف والشؤون الإسلامية لاسيما في الحالات التالية:
أ – عدم تكافؤ الفرص في البرامج الإعلامية الثقافية الدينية واحتكارها على مدرسة واحدة من خلال الندوات والمؤتمرات واستضافة العلماء ورجال الفكر في المنتديات.
ب – التمييز في الموافقة على طلبات المساجد واحتكارها في أغلب مناطق الدولة.
ج – عدم التعددية في اللجنة الوسطية.
د – خلو البلاد من معاهد ومراكز اسلامية رسمية تعتمد على التعددية الدينية التي تخدم مختلف المدارس الفقهية التي يتعبد بها اهل الكويت.
5 – ما زالت المناهج الدينية في وزارة التربية تحوي على اللمز بالتلويح او التصريح بتكفير وتسفيه عقائد الآخرين من المسلمين المواطنين والوافدين، استجابة للمدرسة المتبناة التي تنتهج التعصب والتكفير.
6 – اعادة النظر نحو قيام محاكم للاستئناف والتمييز ومحاكم الاحوال الشخصية على المدرسة الفقهية الجعفرية مستقلة عن مثيلاتها بالنسبة الى مذهب مالك او غيره لما ينطوي ذلك عن مخالفات شرعية صريحة، حتى وان اقرها القانون.
7 – تعديل اللائحة التنفيذية لقانون الزكاة والمساهمة في ميزانية الدولة العامة، التي تمثل تحايلا حكوميا سافرا لتوجهات السلطة التشريعية الموثقة بمضابط مجلس الامة، وذلك من اجل منع المساهمات من الشركات من التوجه مباشرة للاوقاف الجعفرية بالامانة العامة للاوقاف.
8 – التمييز في كيل الاتهامات والحبس المؤقت بين المواطنين ازاء قضايا الرأي والعمل السياسي.
9 – التمييز في الخدمات الصحية، لا سيما العلاج بالخارج، عبر الواسطات.
10 – الانتقائية وانتهاك تكافؤ الفرص لكامل النسيج الكويتي باستبعاد فئوي (الا ما ندر) من التعيين في السلك الدبلوماسي لدى وزارة الخارجية.
وختاما، لابد من الاشارة الى اننا هنا لسنا بصدد مناقشة انجازاتكم ومواقفكم العامة والخاصة داخل مجلس الامة وخارجه، وانما نحن هنا امام معضلة التناقض التي تمارسها الاجهزة الحكومية ازاء الوحدة الوطنية، ما بين خطابها الرسمي وفعالها على ارض الواقع، مذكرين بدوركم النيابي المفترض للتصدي لها، وانتم تملكون الآلية الدستورية، علاوة على التميز بالوجاهة القريبة من مركز القرار، آملين في ان تلقى رسالتنا الاولى هذه عنايتكم واهتمامكم الكريم.
سائلين سبحانه وتعالى ان يوفقنا جميعا لاعزاز وطننا ومواطنينا.
جمع من المواطنين
 
 
مطالب ضاعت بالملفات مكرراً
لعل شيئاً من التفاؤل ادى بهؤلاء النواب ومعهم وزراء وجهاء ان يضغطوا شيئا على الجهات المسؤولية التي بدورها طلبت مؤخرا تقديم هذه المظالم الوطنية التي تدخل في نطاق الحيادية الدستورية، طلبتها كتابياً، استمراراً في انتهاج التذاكي وفي ادخال هذه المطالب في نفق التسويف، رغم كل عفوية وتلقائية، وبساطة هذه المطالب التي لا تكلف الحكومة شيئاً من هيبتها او من المال العام.
وبالفعل تم اهمالها وتضييعها في دهاليز الملفات وضغط العمل المزعوم، والحكومة تمارس ذلك امام النواب الشيعة الموالين، وهي في اشد الظروف التي تحتاج خلالها الى اي معين وناصر تجاه ما يسمى بالمعارضة (الاغلبية)، امر عجيب وغريب امر هذه السلطة الحكومية!
ولذلك، فإن مشاعر القهر والتبرم من مواقف السلطة الحكومية يزداد، ولولا تعنت ما يسمى بالاغلبية المعارضة لدرجة المساس بشخص صاحب السمو امير البلاد، حفظه الله تعالى، وما يحمله بعضهم من اجندات طائفية اقصائية، علاوة على اتهامهم المتزايد بأن بعضهم مسيّر من الخارج، لوقف هؤلاء الشيعة مع المعارضة في ساحة الارادة، ولأعلنوا موقفهم الصريح بمقاطعة هذه الانتخابات، ولكن كما قيل «نار الحكومة ولا جنة المعارضة»!
ولذلك لا نعجب ان يتنامى الآن في بعض اوساط المواطنين الشيعة مبدأ مقاطعة الانتخابات محاولة لتوصيل رسالة احتجاج وتذمر من النهج الحكومي السيئ في التعامل مع شرائح المجتمع.
واذا استمرت الحكومة بهذا المسلك السيئ فمن المؤكد ان الاحتجاج الشعبي سيزداد ويتوحد صفاً واحداً ضد الفساد الحكومي، وهو فساد استشرى في النواحي السياسية والادارية والمالية والاجتماعية، وكما توحد الكويتيون ضد الغزو الخارجي 1990 فمن المتوقع ان يتوحدوا اليوم ازاء الغزو الداخلي «الفساد».
حفظ الله الكويت واهلها من كل سوء.