أقلامهم

عبدالله النيباري: السلوك السياسي على أساس الانتماء، المذهبي أو العرقي يعيق تطور المجتمع نحو الديموقراطية.

ليس رداً… بل تذكير وتوضيح…
في المسألة الطائفية!
بقلم عبد الله النيباري
أحدث المقال الذي نشرته القبس لي ردود فعل غاضبة في أوساط اخواننا أبناء الطائفة الشيعية، بعضها نتيجة للحساسية الشديدة، وبعضها نتيجة مواقف مسبقة، وبعض هذه اتسمت بالابتذال، وقسم آخر ناقش تحليل الأرقام والنسب التي أشرت إليها في مقالي، وهذه الأخيرة قابلة للنقاش، وعلى الأخص مقال الأخ عبد المحسن جمال (القبس 2012/12/7)، ومقال حسن الموسوي (القبس 2012/12/9).
اذا كان هناك حاجة لتوضيح موقفي أو للتذكير به في ما يتعلق بالمسألة الطائفية، فأود أن أقول إن موقفي لم يتغير تجاه القضايا الطائفية، فأنا أنتمي إلى تيار سياسي ينظر بموضوعية إلى المسألة الطائفية في المجتمعات العربية والاسلامية، وأيضا العرقية، باعتبارها موروثاً تاريخياً، ولا أحد يستطيع تغيير انتمائه الموروث، وما يترتب عليه من علاقات اجتماعية. ولكن أرى أن السلوك السياسي أو اتخاذ مواقف والتصرف على أساس الانتماء، سواء كان مذهبياً أو عرقياً، يعيق تطور المجتمع نحو الديموقراطية، وحكم القانون على أساس المساواة وبناء الدولة المدنية على أساس المواطنة، وهذا ما نحن فيه في بلدنا الكويت، كما انه معضلة في المجتمعات العربية، ومنها دول الخليج، وعلى الأخص البحرين والسعودية.
حركة القوميين
التيار الذي نشأت فيه سياسيا، وهو حركة القوميين العرب كان عدد من قياداته ورموزه من أبناء الطائفة الشيعية في العراق ولبنان والبحرين، وطبعا الكويت.
للتذكير أيضا، موقفنا في الكويت كان مع ثورة الامام الخميني، وكنا ضد نظام الشاه حليف اسرائيل، ووقفنا ضد الحرب العراقية – الايرانية التي فجرها صدام حسين، ولم نرضخ للضغوط، ولا لتوجهات الشارع الكويتي، الذي كانت الأوساط السنية فيه مؤيده لصدام حسين، هذا الموقف جر علينا حروبا سياسية، واذكر باستخدام زيارة الدكتور أحمد الخطيب للتجمع في مسجد شعبان الذي روج له في انتخابات 1981 على أننا أنصار ايران وشيعة الكويت، وقاومنا الضغوط في تلك الانتخابات للمشاركة في انتخابات فرعية، لتشكيل قوائم سنية في مقابلة الشيعية، وعلى الأخص في دائرة القادسية، التي كان الأخ عبد المحسن جمال مرشحا فيها، وشخصيا قاومت الضغوط أنا والأخ فيصل المشعان لتشكيل قائمة سنية في تلك الدائرة.
هذه مسألة مبدأ بالنسبة إلينا لا نساوم عليه.
احتضان
الآن نحن نعيش جو احتقان يتزايد منذ عشر سنوات، لعدة أسباب، منها التطورات السياسية في المنطقة، ومنها صعود تيارات الاسلام السياسي.
وفي الآونة الأخيرة، وخصوصاً في مجلس 2009 ومجلس 2012، ازدادت حدة الشحن وتفاقمت حدة الخطاب الاقصائي، وانعكس ذلك على الفرز السياسي، وخصوصاً في ممارسات النواب في المجلس.
وازدادت درجة الحدة، بسبب أحداث البحرين، وموقف الغالبية البرلمانية ومؤيديها في الشارع ضد المطالب الاصلاحية لتطوير المشاركة الشعبية، وقد عبرنا عن رفضنا لهذه المواقف وشاركت شخصيا في تجمعات، وكتبت معبراً عن رأيي بتأييد المطالب الشعبية الاصلاحية في البحرين (مع التحفظ على الشعارات المتطرفة)، ورفض استخدام القمع والاعتقالات والسجون، الذي طال الكتل الوطنية، ومنها قيادات وعد (جمعية العمل الديموقراطي)، وهي امتداد لحركة القوميين العرب وفرعها في البحرين.
قناعات
لا أقول ذلك منة على أحد، ولا طلباً للعفو أو التأييد او حتى التسامح، فموقفي وموقف رفاقي في التيار السياسي مبني على قناعات ومبادئ نؤمن بها، وهي أن الأوطان تبنى بالتوافق بين مكوناتها وأطيافها الاجتماعية والمذهبية والدينية.
وفي الكويت قناعتنا ألا يستطيع أي مكون اجتماعي أن ينفرد بتسيد المشهد السياسي، ولن يكون هناك تقدم، ولا استقرار حقيقي الا بقبول التعايش، والأفضل التعاون والتوافق، لدفع عجلة الاصلاح في بلدنا.
أعود لمناقشة الآراء والملاحظات التي جاءت في مقال الأخ والزميل ورفيق الدرب دائما ان شاء الله عبد المحسن جمال، وأشير الى وصفه بأن التحليل الذي قدمته يخالف المنهج العلمي والأكاديمي، وانه استفزازي، وانه في التحليل السياسي لا يقسم المسلمون على أساس المذاهب.
وأقول اذا اشتم أحد انه تحليل استفزازي، فأنا اعتذر، ولم يكن قصدي استفزاز أحد أو اثارة أي طيف، ولا استجداء كسب رضا أطراف أخرى.
التركيب الاجتماعي
أما أن نأخذ بعين الاعتبار عند القراءة السياسية لوضعنا التركيب الاجتماعي والمذهبي عندما ينعكس في المواقف السياسية، فاعتقد أن ذلك أمر مشروع وموضوعي، واذا كنا طلاب وحدة وطنية ومجتمع متوافق، فيصبح فهم هذه الأوضاع أمراً ضرورياً، لكي نضع أيدينا على المعوقات للتصدي لاصلاحها، والأخذ بعين الاعتبار التركيب الديني والمذهبي والعرقي معمول به في تحليل الانتخابات في الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا ودول أخرى.
أعتقد أن أي نظرة موضوعية لمجتمعنا، يجب أن ندرك من خلالها الانقسامات على أساس الانتماءات الاجتماعية والعرقية، قبلية ومذهبية، وماهية العوامل التي تعمق هذا الانقسام، وهو حاصل عندنا، والبحث عن العوامل والآليات التي تقلص الانقسامات وتردم الفجوات.
وما أشرت اليه في مقالي هو رد على من قال ان مقاطعة الانتخابات فاشلة، لانها انحصرت في 20 في المائة أو أقل، وما تطرقت اليه هو الاعتراض على هذا التفسير الذي لو جاريناه سيقود البعض الى استنتاجات قد تثير الحساسيات، وهذا ما حصل.
الدقة
وهنا اتعرض لما طرحه الاخ حسن الموسوي، وأقول تحليلي لقراءة أرقام المشاركة والمقاطعة قد لا يكون دقيقاً مائة في المائة، فذلك يتطلب مزيداً من المعلومات الأكثر تفصيلاً، وأنا لا أجزم بأن الـ 40 في المائة الذين لم يشاركوا في الانتخابات الماضية كانوا سيشاركون، ولكن الافتراض القائم على شطبهم أيضا غير دقيق ومخل، يمكن المقارنة بين الرقمين لا أن نستنتج على افتراضه رقما ثابتا دائما، بل متغير، والانطباع العام بأن مشاركة اخواننا الشيعة، ومنهم من كان ضمن الـ %40 الذين لم يشاركوا في الانتخابات الماضية، كانت أكثر من مشاركة السنة، فالعبرة ليست بالأرقام الكلية المطلقة التي طرحها الأخ حسن، فأكيد أن مشاركة السنة بالأرقام المطلقة (115 الفاً) أكبر مقارنة بـ51 ألفاً أو 49 ألفاً، فهذا أمر طبيعي، لأنه المكون الأكبر، سواء كانت نسبة أبناء الطائفة الشيعية 70 أو 80 في المائة سيكون عدد المشاركين منهم أكبر بالمطلق، حتى لو انخفضت نسبة مشاركتهم.
لذلك، الأقرب الى القياس هو نسبة المشاركين أو المقترعين الى عدد الناخبين في كل مكون، واذا أخذنا هذا المعيار فسوف نجد أن نسبة المشاركين من أبناء الطائفة الشيعية تفوق الـ70 في المائة، وهو حاصل قسمة المشاركين وعددهم حوالى 49 ألفاً على عدد الناخبين الشيعة، وعددهم 65 الفاً، ونسبة المشاركين السنة 115 ألفاً/ 358 ألفاً = 30 في المائة وتختلف هذه النسب بين منطقة وأخرى.
انتقاد للنظام الانتخابي
على كل حال التعامل بهذا المنهج ليس انتقاداً أو لوماً لأي مكون، وانما لكي نقيس ما اذا كان نظام الانتخاب صالحاً أو فاسداً، لا يلام الشيعة اذا صوتوا لمرشحين شيعة، ولا يلام أبناء القبائل اذا صوتوا لمرشحي قبائلهم. المسألة ليست لوما أو انتقادا أو ادانة، وانما هو انتقاد للنظام الانتخابي الذي يعمق الانقسامات ويخلق مشاكل اذا حصل أي مكون على نسبة من مقاعد البرلمان أكبر من نسبة حجمه بين الناخبين. طبعاً، حصول اخواننا الشيعة على مقاعد ضعف نسبة حجمهم في جداول الناخبين ليس ذنبهم ولا يلامون عليه، فهو نتيجة طبيعية لتركيبة المجتمع والثقافة السائدة والبيئة الفكرية التي نعيشها وتخلف الوضع السياسي الشعبي، يضاف الى ذلك مقاطعة حجم كبير من السنة والأزمة السياسية التي نعيشها.
أسوأ
النظام الحالي أسوأ من نظام الدوائر الخمس الذي كانت تشوبه مثالب تتمثل في هيمنة أربع قبائل على 80 في المائة من مقاعد الدائرتين الرابعة والخامسة، في حين ان نسبة ناخبيهما أقل من 40 في المائة، مما أدى الى تهميش 60 في المائة من الناخبين من القبائل الأخرى، والحضر، سنة وشيعة، في الدائرتين، وكذلك أيضا حصول النواب الشيعة على 70 أو 80 في المائة من مقاعد الدائرة الأولى، في حين أن نسبتهم للناخبين في الدائرة في حدود 45 في المائة.
هذا الكلام ليس انتقاداً للقبائل ولا لأبناء الطائفة الشيعية، بل هو تشخيص للمثالب التي ينتهجها النظام الانتخابي.
التحدي الآن ليس الاستمرار في المساجلات على أساس العصبيات والتحيزات، بل كيف نتجاوز هذه العصبيات وكيف نقلصها.
طبعاً، ذلك يتطلب تطوير أفكارنا ومواقفنا وقناعاتنا بما يؤدي الى أن يكون التنافس في الميدان السياسي، ومن أهمها انتخابات مجلس الأمة، على أساس المكونات السياسية وبرامجها، وليس على أساس المكونات الاجتماعية والمذهبية.. هذا هو التحدي الأكبر. المطلوب هو تجاوز العصبيات التي تحبس الجهود وتقيد الخطوات لاقامة مجتمع متصالح في دولة مدنية يتساوى فيه المواطنون على أساس المواطنة فقط.
نجتهد
معلوم أن ذلك ليس بالأمر السهل، ولكن واجبنا أن نجتهد ونحاول ونبحث عن الأنظمة والقوانين التي تضبط خطواتنا، وتجمع ولا تفرق.
نجاح في 1992
ختم النيباري مقاله بالقول: «في نهاية المقال أود أن اشير إلى ما يردده بعضهم عن أني نجحت بـ 470 صوتاً عام 1992، وأنني نجحت بأصوات الاخوة ناخبي الشيعة. طبعاً ذلك يشرفني، سواء كان عاملاً حاسماً في نجاحي أم لم يكن، وفي الوقت نفسه أقول أن 470 صوتاً كانت تشكل 29.4 في المائة من أصوات الناخبين في نظام الخمس والعشرين دائرة، مقارنة بنجاح يتراوح بين 1 و10 في المائة في النظام الحالي، وقد نجح نواب أفاضل آخرون بما يقارب ذلك، منهم: جاسم الصقر بـ 462 صوتاً بنسبة 43 في المائة من ناخبي الدائرة، وجاسم الخرافي بـ 414 صوتاً بنسبة 38 في المائة، وعدنان عبد الصمد بـ456 صوتاً بنسبة 37 في المائة، وعبد المحسن جمال بـ402 صوت بنسبة 24 في المائة.
ومع ذلك، فان ذلك النظام (25 دائرة) لم يكن مرضياً، وأدت المطالبة بتغييره الى اقرار نظام الدوائر الخمس بأربعة أصوات للناخب.