أقلامهم

مشعل الظفيري: البرامكة اليوم يوسعون نفوذهم كما يوسعون ثيابهم، وهذا أمر طبيعي عند غياب المصلحين.

إضاءة للمستقبل / البرامكة الجدد
مشعل الفراج الظفيري
ما أشبه اليوم بالأمس البعيد جداً وتحديداً في زمن الدولة العباسية عندما كان للبرامكة منزلة رفيعة عند الخليفة هارون الرشيد، فقد نالوا الكثير من المناصب الحساسة والمهمة سواء داخل البلاط أو خارجه حتى ذاع صيتهم في الأقطار كلها وبدأوا في زيادة مساحاتهم الجغرافية من خلال شراء الأراضي والحرس، فصار عظمهم قويا فتجبروا على البلاد والعباد، وأكثر شخصية برزت منهم هو جعفر البرمكي الذي نال شرف انتسابه لخليفة المسلمين بعد أن تزوج أخت الهارون، وهو أيضاً أخ لهارون الرشيد من الرضاعة وكان أبوه يحيى البرمكي من عمل على تربية هارون وثبت ملكه بعد أن أراد الخليفة الهادي عزل هارون عن ولاية العهد، فكان من الطبيعي أن يحظوا بهذه الحظوة عند الخليفة العباسي هارون الرشيد، ولكن سرعان ما انقلبوا على أعقابهم بعد أن ظلموا وطغوا فاحتدم الصراع بينهم وبين هارون، فما كان للخليفة الهارون إلا أن شرد بعضهم وقتل البعض الآخر منهم، وكان أبرز من قتل هو أخوه في الرضاعة جعفر ووضع الكثير منهم في السجن، وهكذا في غضون ساعات انتهت أسطورة البرامكة داخل الدولة العباسية، وقد سميت بنكبة البرامكة… 
ونحن نتحدث عن نكبة البرامكة لا يمكننا أن نتجاوز موقفين جميلين… الأول عندما جاءت زوجة يحيى البرمكي وهي مرضعة هارون الرشيد لتشفع في ولدها جعفر، فقالت للخليفة اعف عن ولدي جعفر فالله يمحو الخطايا ويثبت، فقال لها هارون هذا مما أثبته الله فإني قاتله، فقالت له إنه ابني الوحيد، فقال لها لو قتلته كنت لك ابناً مكانه، فقالت والله لو كان قتلك لجعفر شفيعاً لي بأن أكون أماً لخليفة المسلمين فليس لدي مانع وقد غلبته بحسن بلاغتها… أما الموقف الآخر فبينما كان يحيى البرمكي في السجن اقترب منه أحد البرامكة وقال له يا أبا جعفر بعد أن كان الناس يهابوننا ولنا نفوذ كبير نوضع اليوم في السجن فرد عليه يحيى لعلها دعوة مظلوم في ليل غفلنا عنها ولكن الله لم يغفل عنها. 
اليوم لدينا برامكة جدد مع الأسف لا يتمتعون بأخلاق البرامكة ولا يتحلون ببعض صفاتهم وهم كالفطريات لا يعيشون إلا على أكتاف المشاكل والخلافات، فكان لبعضهم حظوة كبيرة وصاروا يوسعون نفوذهم كما يوسعون ثيابهم عند الخياط، وهذا أمر طبيعي عند غياب المصلحين يسود الفاسدون، وبرأيي هم لا يستحقون لقب البرامكة، وأكثر ما ينطبق عليهم لقب الصعاليك فقد أكثروا في ديارنا الفساد وعاثوا في مؤسساتنا حتى بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة، وإني على ثقة بقرب نكبة الصعاليك، فإن الله يمهل ولا يهمل… والله خير الحافظين. 
إضاءة
لا نكتب هذا المقال سوى من باب تنشيط الذاكرة، فهؤلاء الصعاليك يضمرون الكره والحقد… والله من وراء القصد.