جتهادات / حكومات ما لها صاحب
إبراهيم أديب العوضي
منذ استقلال الكويت وإعلان دستور الدولة في عام 1962م، شهدت موازين القوى السياسية تقلبات عنيفة وحالات مد وجز وتحالفات جاءت إما مع الحكومة أو كانت مع الطرف الآخر الداعي لمزيد من الإصلاحات السياسية. ولأن الحكومات المتعاقبة كانت تتعامل بالتوافق مع الأوضاع السياسية الداخلية ومع ما يحيط بنا من تقلبات لازمت منطقة الخليج العربي على وجه التحديد ودول الشرق الأوسط عموما كانتشار المد القومي في ستينات وسبعينات القرن الماضي والثورة الإسلامية في إيران والحرب العراقية – الإيرانية والغزو العراقي بالإضافة إلى حرب تحرير العراق والخطر الإيراني الحالي وغيرها من الظروف، فإن حلفاء الحكومة كانوا يتغيرون تباعا على هذا الأساس دون أي استثناء قبلي أو طائفي أو حتى سياسي.
فالمتتبع للتاريخ السياسي الحديث لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينكر ذلك التحالف الحكومي مع فئة التجار والحضر من السنة والشيعة وانقلاب السلطة بعد ذلك على حالة التوافق تلك، والتي بدأت منذ فترة طويلة جدا، منذ بداية نشأة الدولة بمفهومها الحديث مع اختيار صباح الأول كأول حاكم للكويت نظرا للمطالبات المتزايدة في تأصيل مبدأ المشاركة في الحكم وفي تفعيل مفهوم العلاقة بين الحاكم والمحكوم الذي حدده بدقة دستور الدولة. جاء هذا الانقلاب لتتحول الحكومة كحليف استراتيجي للقبائل كل ذلك في سبيل إسقاط القوى الوطنية والقومية وصاحب ذلك ما عرف في حينه بظاهرة التجنيس السياسي. وبعد ذلك ونظرا لانتشار مفهوم الإسلام الشيعي ابان الثورة الإسلامية في إيران، إنتقلت الدولة مرة أخرى في توجهها فأصبحت شريكا مع القوى السياسية الإسلامية السنية وكل ذلك بسبب التخوف من انتشار المد الشيعي. واستمرت الحكومة في ممارساتها حتى بعد الغزو العراقي حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، حيث تخلت الحكومة عن حليفها الدائم (وأقصد هنا القبائل والقوى السياسية الدينية) هذا بالإضافة إلى تخليها عن قوى التيار الوطني التي تفككت من تلقاء نفسها بسبب مواقفها الرمادية في وضع لا يحتمل معه أن نعيش في موقع الوسط بين نعم ولا.
والسؤال هنا، لماذا وصلنا لهذا الحال من التنافر السياسي ومن انحطاط لغة الحوار وانتشار التهم جزافا دون أي دليل مادي ملموس؟ لماذا يشهد مجتمعنا هذه الحالة من الإنفلات الأمني والسياسي اللامحدود ومن خلافات قد يصعب حلها على الأقل في المستقبل القريب؟ لماذا يخوّن أبناء القبائل ويدعي البعض بأن ولاءهم ليس للكويت وأنهم حديثو التجنيس؟ لماذا يتخوف البعض من الشيعة عندما يصل عدد ممثليهم إلى 17 نائبا في مجلس الأمة؟ لماذا يعتقد البعض أن ولاء الشيعة لإيران وأن أجنداتهم تقوم على أساس انتشار المد الصفوي؟ لماذا يقوم البعض بنشر ثقافة أن الحضر هم من يسيطر على مراكز القرار وأن جميع مناقصات الدولة ومشاريعها تكون لفئة معينة من التجار؟ وكل ذلك هو غيض من فيض أصاب جميع فئات المجتمع توجهاتهم وطوائفهم وأصولهم كافة.
كل ما يحدث هو ببساطة نتاج لما قامت به الحكومة وصنعته على مر السنوات الماضية في تطبيقها لقاعدة (فرق تسد) وهي أقدم سلاح سياسي اجتماعي اقتصادي يقوم على تفتيت الوحدات الكبيرة (سواء كانت دولا أو شعوبا أو عوائل أو قوى سياسية) إلى أجزاء وأقسام متنافرة وإثارة بعضهم البعض في سبيل إضعاف مراكز القوى وبالتالي الوصول إلى أهداف محددة من خلال السيطرة على مراكز صنع القرار والتفرد في السلطة والوصول إلى فرض آراء قد لا تتناسب مع المزاج العام، كل ذلك من أجل حجج واهية كفرض الأمن والاستقرار أو تنمية الوطن أو التصدي لمحاولات تأجيج الفتن وغيرها من المصوغات التي قد يتقبلها الشعب حينها.
اليوم نحن أحوج ما نكون بأن تتخلى الحكومة عن هذه السياسة وأن تحتضن الشعب بفئاته كافة، فالوطن لا يحتمل المزيد وقادم الأيام أصعب مما كان، فعهد (حكومات ما لها صاحب) يجب أن ينتهي حتى لا نندم على ما فات، فهل من مدكر؟
أضف تعليق