أقلامهم

يوسف عوض: أشغلوا الناس بتعليمهم وندوات الثقافة وأخرجوا الرياضة من صراع السياسة، حتى يجد الشباب متنفساً فيها.

«العيال كبرت»
كتب المقال: يوسف عوض
 
 ما يحدث من تحركات ومسيرات ومظاهرات ليلية هذه الأيام لا يمكن لعاقل أن يؤيده, خصوصا أنها تقام وسط المناطق السكنية وبين الأهالي، وهي جلها مكونة من متظاهرين صغار في السن  ومراهقين، لكنهم يتحدثون بأفكار سياسية وهنا يجب التوقف.
 عندما تسمع آراءهم السياسية وما يبدونه من أفكار فكأنك أمام  مفكري سياسة، فهل المسيرة تسلية وقضاء وقت ممتع في الشارع؟ إن القضية واضحة وخطرة، ويجب الالتفات إليها، فالوعي السياسي تغير، وكما قيل “العيال كبرت”، والناس من كبيرهم إلى صغيرهم أصبحوا يحللون ويعرفون ما يحدث في أمور السياسة وأحداثها، وكان من الممكن أن تتعامل الحكومة معهم بطريقة معينة تراعي  صغر سنهم؛ لأنهم في النهاية أبناؤها، لا أن ترسل إليهم القوات الخاصة وجحافل الأمن.
يجب أن تتغير معاملة الدولة لهذه الأجيال الصاعدة التي تم إشغالها  بالسياسة وصراعاتها، أجيال لا تتمتع بغطاء تعليمي كاف، فالتعليم متدهور، وجل الناس تعتمد على المدرس الخصوصي، ولا توجد  سوى جامعة واحدة، ولا تحدثني عن جامعات الرسوم الباهظة، تلك  الجامعات الخاصة التي لولا منح الدولة لها وبعثاتها الداخلية لكانت  قد أقفلت أبوابها منذ أول شهر، ولا تحدثني عن شروط ديوان  الخدمة المدنية المجحفة بحق هؤلاء الشباب, حتى الثقافة أصبحت ذات تجمعات نخبوية خاصة، والرياضة اختزلت فقط في صراع  ثنائي، جعل حتى أهل الرياضة يكرهون رياضتهم، رياضة من يسجل أكثر في الجمعيات العمومية؛ مما تسبب في تدهورها، حتى بطولة غرب آسيا لكرة القدم التي أقيمت هنا في الكويت هناك القليل ممن علم بها.
لقد أبعد الشباب عن كثير من مناشط الحياة في الكويت بسبب  صراعات سياسية، أغلبها مختلق ومفتعل ولا سبب مقنعا له، قالوا  إن المعارضة هي سبب تدهور البلد، مع أنها لا تدير البلد ولا تملك القرار، والآن ابتعدت المعارضة، وتركت للحكومة الساحة، فماذا  حدث؟
استمرت أخطاء الحكومة، واستمر فشلها بدءاً من انتخابات  مضحكة لم يحضرها سوى القليل جدا، ومن ثم فشل كبير في  التشكيل الوزاري ووصولا إلى تصريحات استفزازية من أحد  أعضاء الحكومة للمقترضين المظلومين!
كمواطن كويتي، لا أريد أن أبكي على ما مضى، حدث ما حدث، لكني لم ألحظ خطوات ملموسة لطمأنة المواطنين، فالتصريحات بشأن القروض وقرار إعادة تشكيل لجنة الإزالة، وهي ذات عمل لا يساوي في المعاملة بين المواطنين، وكأني أمام حكومة تعاقب  مواطنيها.
البلد الآن بحاجة إلى الهدوء أكثر من أي وقت مضى، أتمنى على  الحكومة أن تعيد النظر في تعاملها مع عدد من الملفات، أهمها  ملف الشباب، فلتوفر لهم التعليم الجيد، ولتنشئ جامعات جديدة، وليتم فتح باب التوظيف، فهم الآن يعيشون فراغاً كبيراً بحاجة إلى تدخل حكومي عاجل.
أشغلوا الناس بتعليمهم ووظائفهم وندوات الثقافة ودروس المساجد، وأخرجوا الرياضة من صراع السياسة وأعيدوها إلى أهلها، حتى يجد الشباب متنفساً فيها.
“العيال كبرت” لكن الكويت لا تزال رائعة جميلة متفائلة بهؤلاء  “العيال” الرائعين الذين يحتاجون فقط إلى التفاتة من الدولة، وهذا أقل حق لهم عليها.