أقلامهم

النيباري: السلطة تعيدنا لنسلط الضوء على أن نمط السياسة لإدارة الدولة لم يتغير، وهو موطن الخلل في إدارة للبلد.

استبعاد صفر وعبدالصمد
الحكومة تتخبَّط أم هو نهج لا يتغير؟
أثارت الملابسات التي أحاطــت باستبعاد د. فاضل صفر من التشكيلة الوزارية مؤخرا من جهة، وموقف الحكومة إزاء انتخابات نائب رئيس مجلس الأمة ووقوفها ضد انتخاب النائب عدنان عبدالصمد من جهة أخرى، العديد من التساؤلات حول الأسباب التي أدت إلى ذلك، وأطلقت عنان التكهنات واللغط وردود الفعل السلبية، خاصة في أوساط الطائفة الشيعية، وأعادت إلى التداول المفهوم الشائع بأن أبناء الطائفة الشيعية مهما عظمت خبرة أحدهم وتعمَّقت تجربته وعلت مؤهلاته، فليس مسموحا له بشغل بعض الوظائف العليا مثلما جاء في مقالة الأستاذ علي المتروك، أو أنهم يعتبرون «في جيب الحكومة»، كما جاء في مقالة للأستاذ عبدالهادي الصالح، وان نوابهم في البرلمان لا يحسنون الدفاع عن حقهم في الوصول إلى المناصب العليا في الدولة.
مبالغة
ردود الفعل هذه، أو استمرار تداول المفهوم الشائع، قد يكون مبالغاً فيه، فوصول أبناء الطائفة الشيعية للمناصب العليا في الدولة أمر أعتقد أن الكويت قد تجاوزته، حيث وصل العديد منهم إلى منصب الوزارة، وهي أعلى مرتبة في الدولة، وكذلك المناصب الإدارية «الوكلاء والوكلاء المساعدين» ومراكز قيادية في أجهزة الأمن، وما تولى الفريق على المؤمن أعلى منصب كرئيس أركان القوات المسلحة، التي أدارها بنجاح، وها هو الآن سفير الكويت في بغداد إلا أحد الأمثلة الواضحة التي تصدّ وتردّ مثل هذه الدعاوى، وقد سبقه الكثيرون من أبناء الشيعة كسفراء للكويت.
كل ذلك قد لا يكون كافياً لإزالة المفاهيم الشائعة بالمظلومية لدى الشيعة، والشيء ذاته لدى الفئات الأخرى، فأبناء القبائل لديهم ذات الشكوى ولا تقل شكوى السنّة الحضر عنهم.
وهذه الشكاوى تعكس الخلل في سياسة السلطة وأدائها في اختيار من يشغل المناصب والمراكز على أساس المواطنة، وقد ساوى الدستور بين المواطنين دون تمييز على أساس الانتماء أيا كان.
شكوك
أيضاً دارت شكوك حول استجابة السلطة لضغوط خارجية إقليمية، طبعاً إن صح ذلك فهو أمر غير مقبول، وإلا فذلك يعني أن هنالك نافذة أو قناة مؤثرة في إدارة شؤون الدولة من الخارج، وهو ما يجرح سيادتها واستقلال قرارها.
ولا أعتقد بوجود مثل هذه الضغوط، ففي البحرين مثلا، تولى رئاسة المجلس النيابي المنتخب في سبعينات القرن الماضي شخصيات وطنية شيعية بارزة، وهم: السيد إبراهيم العريض، والأستاذ حسن الجشي، الذي عمل في الكويت، وحالياً يترأس مجلس الشورى الأستاذ علي الصالح، وكلهم من أبناء الشيعة وتوجهاتهم وطنية عروبية قومية معروفة.
والتساؤل الآن: هل كانت هنالك ضغوط داخلية؟
ذلك أمر جائز، وهو أمر مؤسف، فما تطرّق إليه النائب عدنان عبدالصمد في هذا الجانب عبر لقاء وحوار له مع جريدة الراي، والذي عبّر فيه عن امتعاضه مما جرى، وانصبَّ احتجاجه على الطريقة والأسلوب اللذين عولج بهما موضوع اختيار أو عدم اختيار الدكتور صفر، وكذلك الأسلوب الذي استخدمته السلطة إزاء انتخابات نائب رئيس المجلس، أمر يجب الوقوف عنده مليا، إذ يقول عبدالصمد: «كانت المعلومات لدينا أن صفر موجود في التشكيل حسبما أبلغني أحد الأقطاب السياسية بذلك، ولكن قبل الإعلان عن التشكيل بساعة استدعاه رئيس الوزراء وشكره على كفاءته، وأن أحد أعضاء كتلة نواب الشيعة اعترض على إعطاء مجموعة التحالف الوطني الإسلامي (مجموعة عدنان) منصبين أي وزير ونائب رئيس مجلس الأمة (بمعنى توجه الحكومة لدعم ترشيحه لمنصب نائب الرئيس)»، وتساءل عدنان: هل هي مسألة كفاءة ونزاهة أم محاصصة؟
ويُرجع النائب عبدالصمد استبعاد الدكتور صفر إلى ضغوط المتنفذين والمتحكمين في قرار تشكيل الوزارة من أصحاب المصالح، لأن الدكتور صفر كان «حنبلياً» وصلباً في إدارته لدرجة أنه تشاجر مع أحد الوزراء لرفضه تحرير معاملة غير قانونية، واليوم صفر خارج الحكومة، وذلك الوزير يتولى حقيبة وزارية مهمة.
أما بالنسبة لانتخابات نائب رئيس مجلس الأمة فيقول عبدالصمد: «قبل التصويت نفيت وجود صفقة مع الحكومة، وكان هناك اتفاق بين النواب لدعم ترشيحي، وكنا نعتقد بأن الحكومة تركت الخيار للوزراء في التصويت، إلا أنه وصلتني معلومة من شخص قريب من القيادة السياسية قبل دخول الوزراء القاعة، تفيد بإعطاء توجهات لهم للتصويت للرئيس ونائب الرئيس في اتجاه معين، وهذا يدل على أن الوزراء لم يكونوا أحرارا في اختيار تصويتهم».
احتجاج
إذن احتجاج النائب عدنان عبدالصمد انصبَّ على الطريقة والأسلوب اللذين أدارت بهما السلطة تشكيل الوزارة وطريقة التصويت على منصب الرئيس ونائب الرئيس، وهو محق في احتجاجه وانتقاده لطريقة تعامل السلطة في تصرفها وإدارتها لتشكيل الوزارة، واختيار مناصب المجلس، بمعنى أنه لو سارت الأمور بطريقة طبيعية من دون تدخل الضغوط والتوجهات والإملاءات، وتركت حرية الاختيار للأعضاء والوزراء من دون تعليمات لما كان هنالك إشكال.
وهو محق أيضاً بأنه لو كان الاختيار حسب معيار الكفاءة والنزاهة والقدرة على الأداء لما كان هنالك مبرر للاحتجاج، ولو تم التقيد بهذه الموازين لكانت الكفة أرجح لمصلحة صفر وعدنان، ولكن هذا التصرف من السلطة أضفى بعداً طائفياً على ما جرى، وهو السبب في إعادة تداول المفهوم الشائع حول عدم مكافأة الشيعة، مهما اتخذوا من مواقف مساندة للسلطة، فهم في الجيب من دون مقابل.
الدروس المستفادة
هذه الممارسة من قبل السلطة تعيدنا لنسلط الضوء على أن نمط السياسة لإدارة الدولة ونهجها لم يتغير، وهو موطن الخلل في إدارة الشأن العام للبلد.
الآن، ما الدروس المستفادة لكل فئات وأطياف المجتمع الكويتي التي نستنتجها من هذا الحدث؟
الدرس هو أن الإنصاف والعدالة والمساواة ورفع الظلم والغبن وهضم الحقوق عند أي مواطن لن يأتي عن طريق المطالبة بتعديل «أنصبة» الفئات الاجتماعية، ولن يتحقق عن طريق المحاصصة، فهذا الطريق هو لمصلحة القوى المتنفذة.
أما الطريق الصحيح، فهو تعديل الميزان الذي زاد اختلاله في الآونة الأخيرة، من خلال التعامل على أساس المواطنة، ومساواة الجميع أمام القانون، وهو المسار الأمثل لبناء دولة القانون والمؤسسات، التي ركز عليها النطق السامي، بعيداً عن تكريس الفئوية والقبلية والطائفية، وتصرف الحكومة على النحو الذي جرى هو نقيض ذلك، وأبعد ما يكون عن بناء دولة المؤسسات والتقيد الصارم بتطبيق القانون واختيار الكفاءات لإدارة شؤون الدولة، وغير ذلك سيظل بقاؤنا في الحضيض.