رأي قلمي / حتى لا يتفرقا…!
منى فهد العبدالرزاق الوهيب
أصّلنا ونظّرنا كثيرا ومرارا حول المنهج القويم الذي نستقي منه المفاهيم والأفكار، التي تضيء كل جوانب الحياة، وما كان ذلك إلا بالتفكير الراشد، ومحاكمة الأمور محاكمة صحيحة، بوقائعها وواقعها كما هي عليه، وليس كما تريد أن تراها، ولكن التنظير لا ينفع إن لم يبلور ويترجم لسلوك ظاهر ومُشَاهد.
إن كان لديك منهج مكون من مجموعة من الأفكار والمفاهيم والقواعد المترابطة التي تستخدمها في فهم الوجود والحكم على ما فيه من أشخاص وأشياء وأحداث، وأنت من عطّل ذلك المنهج، بتناقض سلوكياتك له، فلا تلومنّ الأقدار والأشخاص عما أصابك منهم، لأنك بالفعل تعيش مشكلة عويصة تحول بينك وبين قدرتك على التفكير بطريقة منهجية سلوكية، تطابق حزمة أفكارك ومفاهيمك وقواعدك.
إن المنهج كيان ينمو ويتجدد مع نمو المعارف وتكاثر التفاصيل في جوانب الحياة المختلفة، فهل أعطيت منهجك حقه في النماء والتكاثر؟! أي هل أسقطته على أرض الواقع بأفعال وأعمال توافقه أم تتناقض معه؟ هل تعرض تفاصيل حياتك اليومية على ذلك المنهج لتتعرف على سلوكك إن كان ينسجم ويتوافق مع منهجك أم لا؟! هل حاولت أن تفرق بين أسس ومعطيات المنهج الذي يُشكل صلبه وعموده الفقري وبين رؤيتك ورسالتك بهذه الحياة؟! لا تستعجل بالإجابة إلا بعد ان تعطي نفسك فرصة وإمكانات وتحديات جديدة ومثيرة تكون محكا واختبارا لك بكيفية التعامل مع نظم الحياة، واستجابتها للتجديد والاستحداث. خلال الأسبوع الماضي توالت علينا الأحداث المؤسفة ابتداءً بحادثة (الأفينيوز) وبعدها الشاب الذي طعن بمحطة وقود، انتهاءً بحوادث الموت المتكررة بسبب القيادة برعونة وتخلف، تتشابه الأحداث كلها بمحور واحد، وهو طريقة التفكير غير الممنهج لشخص أو مجموعة لديهم نفس أسس وقواعد التفكير، وكيفية إسقاطها على الأحداث والمواقف التي نمر بها بشكل يومي، ما الذي جعل تفكير شباب ذاهبون للتسوق أو التنزه بمجمع تجاري يحملون في جيوبهم سكاكين وآلات حادة؟! نفس السؤال يُطرح للشخص الذاهب لمحطة بنزين ليعبئ سيارته بالوقود، ما هو الدافع الذي يجعله يحمل سلاحا أبيض؟! أما السؤال الذي يفرض نفسه ما الذي يجعل قائد السيارة لا يحترم ولا يلتزم بقوانين وقواعد وآداب المرور، وهو يعلم علم اليقين قد تكون نهايته بلحظة جرّاء القيادة اللامسؤولة؟!
ستستمر المعاناة، وستتكرر الحوادث، بل ستصبح نسخا مكررة، كالنسخ واللصق، إن لم نتدارك أنفسنا، بما نحتاجه من تغيير أنماط حياتنا، بالتخلص من بعض الثقافات المبنية على التقليد الخالي من التطوير والتجديد، وكل ما يفعله الآخرون أفعله، حتى وإن كان لا يتوافق مع طريقة تفكيري ومنظومة منهجي، ولا مع معايير أصول التربية التي تلقيتها من مؤسسة البيت، كل ما يعنيني ألا أكون أقل أو أجبن من غيري، إن كان هو متهور وأرعن مرة فأنا ألف مرة، وهنا يبدأ المزاد العلني على ممارسة سلوكيات لتفريق المنهج عن أسسه ومفاهيمه بطريقة تفكير سطحية ومعوجة، تؤذي بها نفسك وكل من حولك، لا تناقض وتعاكس فطرتك وجبلتك السليمة التي جبلت عليها، كفانا يا معشر بني آدم تفريطا بما لدينا من قيم ومفاهيم ومبادئ مرتكزة على منهج قويم، لا يزول بل باقٍ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
أضف تعليق