كتاب سبر

عشاق علماء البلاط

عندما كتبت مقالتي السابقة بعنوان”حزاية علماء البلاط” كان من المتوقع أن يخالفني البعض هذا الرأي بل هو مما يقتضيه اختلاف العقول السليمة،بل ولم أستبعد التجريح من البعض إذ أن ذلك متوقع ممن تتلمذ على ثقافة إقصاء الآخر وتقديس الرجال،لكن ما لم أكن أتوقعه أن يبلغ التقديس ببعض عشاق علماء البلاط أن يقذف أحدهم والدتي عليها من الله الرحمة وعليه من الله ما يستحق ،بدعوى الغيرة على من يسميهم بعلماء الأمة!!
إن هذا “الغيور”، من هذه الشريحة التي تمثل حالة مَرَضية يمكن تشخيصهابأنها تنظر إلى القائل لا المقول و إلى قياس الحق بالرجال،وذلك خلاف ماتواضع عليه العقل والنقل،بأن الرجال تقاس على الحق ولاعكس. ومصيبة هذا المرض أن المصاب لايشعر به، بل وينفيه أشد النفي عن نفسه،كالمجنون ينفي الجنون عن نفسه وينسبه لغيره !!
ويكمن  ذلك في أربعة أسباب،أُجمِلها فيما يلي: الجهل ثم الانبهار والدهشة ثم الإعجاب،ثم الحب المفرط.
ولبيان الحال سأستعين بمثال أراه يصدق كثيراً على حال هؤلاء،وهو مثال الصغير الذي يرى ألا شيء فوق أبيه،حتى إذا كبِر وخالط الناس عاد أبوه كسائر الناس.إلا أن هؤلاء لاتنفعهم مخالطة الناس في التمييز، كما تنفع الصغير.
فالصغير جاهل يتلقى معرفته المبكرة من أبيه في مجتمعه المحصور الذي هو المنزل،وحيث أنه لايرى إلا أباه الذي يجيب على أسئلته كلها والذي يغلبه في كل شيء ، فهو منبهر بأبيه الذي يعرف كل شيء ويغلب كل واحد،إذن فهو لابد أن يُعجب بهذا الأب الذي يحبه،والذي لايريد لأحد أن يكون أفضل منه أو ينال منه.
ولا ننسى يوم كنا صغاراً إذا أردنا أن نغيظ بعضنا نقول” أبوي أقوى من أبوك..أبوي أحسن من أبوك…لا..أنا أبوي أقوى من أبوك..لا آنا.” ثم نبدأ السباب والعراك.
هؤلاء العشاق يعيشون طفولة متأخرة متحجرة، فهم يريدون ألا يذكر أحد”أبوهم” إلا بما يتصورونه هم عنه،لأنهم لم يكلفوا أنفسهم أو لم يرغبوا بالخروج من “منزلهم”،ولو أنهم خرجوا وخالطوا الناس لما رأوا في معشوقيهم من علماء البلاط مايزيدون به على غيرهم.
لاشك أن الذي يغار على العلماء ولا يرضى بما يشينهم،انه ذو دين،لكن كيف يكون ذا دين حين لايمنعه دينه من هذا الفحش وهذه البذاءة، كهذا”الغيور” الذي نأيت بقلمي أن يكتب بعضاً من “غيرته”” ؟! والجواب:
أن عشاق علماء البلاط “الغيورين” زين لهم التقديس هذه”الطاعات”ليذبوا بها عن”مقدساتهم” لينتج من ذلك مثل هذه الشريحة.
لكن مما يدعو للاطمئنان أن هذه الشريحة لاتمثل مايُخشى منه،إذ هم قلة…لكنها قلة الذباب الذي يُفقدك بعض الأحيان بعض هدوئك.