أقلامهم

إبراهيم المليفي: لن أستغرب إذا سمعت أن الرقابة في الكويت منعت رواية “ساق البامبو” لمخالفتها العادات والتقاليد.

الأغلبية الصامتة: «ساق البامبو»… «شد فكري»!
كتب المقال: إبراهيم المليفي
بينما تفرش السياسة سجادتها الثقيلة فوق كل شبر من حياتنا المتآكلة، وبينما نلهث في سباق تهذيب السجادة ووضعها في داخل إطارها الصحيح، أصابني “شد فكري” مصدره خبر سعيد أعادني إلى مكتبتي وأوراقي المهملة وقناعاتي بأن المشروع الثقافي المتصدع في الكويت هو المشروع القائد الذي سيعيد إليها رونقها وتسامحها وفعالية مبادراتها.
الخبر السعيد هو اختيار الروائي الكويتي الشاب سعود السنعوسي ضمن القائمة المختصرة للجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر” عن روايتة “ساق البامبو”، وقد اختيرت الروايات الست التي تمثل القائمة المختصرة من بين 133 رواية أتت من 15 بلداً عربياً، وفي 23 أبريل القادم في مدينة أبوظبي الإماراتية سيتم الإعلان عن الفائز بجائزة “البوكر”.
ما تحقق من سبق ثقافي يحمل اسم الكويت، سبقه حدث مهمل في نفس أجواء جائزة “البوكر”، وهو تولي الصديق الروائي طالب الرفاعي رئاسة لجنة تحكيم جائزة البوكر قبل عامين، وهذا واقع من المهم الإشارة إليه لأنه يعكس حالة التراجع التي يعيشها المشروع الثقافي في الكويت رسميا وشعبياً، وحجم التهاون والتهوين في إسناد دفة ذلك المشروع لمن لا علاقة لهم به.
الروائي الشاب سعود السنعوسي يعكس بالنسبة إلي قضايا ثقافية مهمة عدة، وهي أن الإبداع حالة فردية بالضرورة لا يمكن خلقها بقرار رسمي أو رغبة عابرة، هي حالة لها جذور وتسلسل يصعب تأليفه أو اختلاقه، وبالتالي لا تسأل الدولة عن مسؤولية “خلق” المبدع في أي مجال، لكنها تُسأل وتحاسب أيضاً عن خلق البيئة التحتية والرعاية لمن يستحق وتقديم الدعم والتسهيلات للمبادرات الفردية التي تتوافر لديها المادة، ولكنها تعجز عن استضافة ضيف مميز لدواع سياسية أو دينية أو اجتماعية.
والقضية الثانية، هي أن المبدع في زمان الوصل الإلكتروني عنصر مشع لا يستطيع المسؤول الجاهل الناقص دفنه أو صبغه بلون داكن، المبدع اليوم حالة عصية على الحجر لأن الأرض مليئة بالثقوب المتصلة، كلما أدخلته في ثقب خرج لك من الثقب الآخر، وهكذا حتى النهاية المحتومة يبقى المشع مشعاً والمجهول مجهولاً.
 سعود السنعوسي نجح خارج الإطار المحلي المألوف ففاز بجائزة الأديبة ليلى العثمان، وجائزة القصة القصيرة التي تنظمها مجلة العربي وهيئة الإذاعة البريطانية الـ”بي بي سي”، وهذا العام حصل على جائزة الدولة التشجيعية من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
القضية الثالثة تتعلق بأن الإبداع خصوصاً في القصة والرواية يحتاج إلى الفكرة الجديدة أو المعالجة الجديدة للأفكار القديمة التي تنتج من طباع البشر التي لن تنتهي، الإبداع يحتاج إلى الجرأة وليس إلى الوقاحة المتعمدة بحثاً عن الشهرة، وهنا تجلى الإبداع في رواية “ساق البامبو” عندما اقتحم السنعوسي العالم المسكوت عنه داخل البيوت، وأثار قضية علاقات الحب بين الخدم وأصحاب المنزل، وغاص بحرفية متقنة في تفاصيل حياة “خوزيه” الكويتي الذي تأخذه أمه الفلبينية “جوزفين” إلى قريتها الفقيرة في الفلبين بعد أن تخلى زوجها “راشد” عن فلذة كبده، لتبدأ أحداث الرواية عندما يرجع “خوزيه” إلى الكويت ليبدأ حياته المختلفة فيها وعمره 18 سنة.
في الختام قد تكون هناك الكثير من القضايا على الصعيد الثقافي لكنني سأكتفي بما ذكرت، مع تمنياتي للروائي الشاب سعود السنعوسي بأن يكون هو الفائز القادم لجائزة “البوكر”، كي يبذر في حقل الأمل قصة إبداع كويتية جديدة لا تزال الكويت بحاجة إلى مثلها مرات ومرات.
الفقرة الأخيرة:
لن أستغرب إذا سمعت أن الرقابة في الكويت منعت رواية “ساق البامبو” لمخالفتها العادات والتقاليد.