أقلامهم

محمد العوضي: إذا كان أبناء الذوات في ضَخْ التصريحات النارية التي تفتُ في لحمة المجتمع فكيف نلوم الجيل في ما يفعل!؟

خواطر قلم / الكويتيون … ومذبحة الشيخة فريحة!
محمد العوضي
«المذابح» كما تكون للأبدان تكون للأفكار والعلاقات الاجتماعية وبنية التواصل الاجتماعي… (مذبحة التراث في الثقافة العربية) كتاب ألفه المفكر جورج طرابيشي في بداية التسعينات ألقى الضوء فيه على كتابات عربية مؤدلجة في قراءة تراثنا العربي وكانت كتابات المفكر محمد عابد الجابري ضمن نقد طرابيشي بعدها بسنوات أصدر طرابيشي مشروعه الفكري (نقد نقد العقل العربي) على أنقاض مشروع الجابري (تكوين… وبنية العقل العربي) وبعيداً عن محتوى السجال المعرفي بين المشروعين فقد أزعجني جورج طرابيشي عندما صدر الجزء الأول من مشروعه (نظرية العقل) بإهداء ينطوي على غطرسة لا تليق به ولا بمستوى القضية المطروحة للجدل فقال: «إلى الباهي محمد كان يقول لي مداعباً كلما سألته عن أحواله: مازلت أُمارس فضيحة الحياة. وها هو الآن يمارس فضيحة الموت»… هذا الإهداء لصديقه جعل الجابري يهمل كتابات طرابيشي كما صرح بذلك في حواره ببرنامج «إضاءات»… (لأن النقد المأمول تحوّل إلى هدم).
وقد يتساءل القارئ ما علاقة كل هذه المقدمة بقصة الشيخة فريحة الصباح؟
والجواب أنه بعد تصريحات الشيخة فريحة (ضد) القائمين والناشطين في مسيرات الحراك الشبابي فتح الشباب وقطاعات عريضة من الشعب النار على الشيخة بـ «تويتر» واشتعلت (الهاشتكات) اللاسعة. ولقد شاركت ببعض التغريدات.
وهنا يجب أن نفرق بين من ينصَحْ ولو بشيء من القسوة المقبولة لما يقتضيه مقام الأزمة وبين من يتربص ويجد في تصريحات الشيخة وجبة دسمة لمآرب كثيرة وبأُسلوب أكثر من جارح! أي أنها فرصة لذبحها معنوياً!
إن جوهر المشكلة المتنامية في الحوار العام حول أزمتنا السياسية أن بعض الرموز السياسية والثقافية والدينية والحكومية ومن هم في المعارضة هؤلاء القوم لا يفرقون بين الكلام الذي يقال في المجالس الخاصة – حتى لو كان الكلام سخيفاً أو باطلاً – وبين ما يُقال أمام الجماهير وبين تصريح في حضور وسائل الإعلام بينما الإنسان البسيط يعرف أن لكل مقامٍ مقال وأن العلاقات عبارة عن دوائر تضيق وتتسع ولكل مكان مراعاته وخصوصياته… كيف يغيب هذا الوعي وتتوارى هذه البداهة عن أبناء الأسرة الحاكمة في ظرف عصيب وحساس.
وإذا كان أبناء الذوات في ضَخْ التصريحات النارية التي تفتُ في لحمة المجتمع وتزيد من خلخلة بنيانه الذي يتهاوى يوماً بعد يوم فكيف نلوم الجيل في ما يفعل وهو يتلقى، قيم العصبية والعنصرية والفئوية ممن يفترض فيهم الحكمة في القول والحنكة في الممارسة؟!
ليس هذا مقام التذكير بالنصوص الشرعية التي تربينا جميعاً عليها من آيات وأحاديث التي تُنهي عن التعزي بعزاء الجاهلية وإحياء ما هو «مُنْتن» من رفاتها.
وكما أننا ضد الذبحْ المعنوي في حق الشيخة فريحة فكذلك نحن ندين مذبحتها للُحمة المجتمع الكويتي ونسيجه التاريخي!