أقلامهم

خلود الخميس: يعالجنا فاسد، نتنفس هواء فاسدا، أفسدوا مناطقنا بالدعارة، أفسدوا طلابنا بالاستغفال عن الغش.

خبز تركيا.. وشعبنا الـ «مطلق»
بقلم: خلود عبدالله الخميس
 
قرأت الخميس الماضي تصريحا لطيب تركيا رجب أردوغان، أن بلاده تهدر 1500 طنا من الخبز يوميا و550 ألف طن شهريا، وإلى هنا فالخبر لا يتعدى أحد مظاهر الإسراف والترف وسوء التدبير، ولكن الخبر فيما لحق بالتصريح، الاعتراف بأن «قيمة الخبز المهدور سنويا يمكن أن تدفع كأجور لأكثر من 100 ألف شخص من أصحاب الدخول المنخفضة، أو لبناء 500 مدرسة».
حقيقة، مبهر كيف ينظر صاحب أعلى منصب تنفيذي في الدولة بمسؤولية تجاه إسراف الشعب في استخدام مادة غذائية، وعرض فكرة الاقتصاد بالترغيب بعائد تقنين المواد المهدورة على دخل الفرد، ومستوى التعليم، وتحويل التصريح من نقدي سلبي إلى تنموي إيجابي.
واعتبار فائض واحدة من المواد الغذائية على «سفرة» منازلنا أحد وسائل الاستثمار للتنمية في البلاد، ولكن أين العقول التي تفكر؟ أظنها في وطني مشغولة بكثير من القضايا «اللاتنموية» وأجزم أن «الفورمات» لن ينفع معها، وحل تغييرها.
إن استشهادي بأردوغان يراه البعض مسببا بإعجاب قديم، بينما المنصف فقط يرى زاوية الإعجاب الصحيحة، فهو لم يأت إلا لما فعله هذا الرجل ويفعله كل يوم في وطنه طوال فترة إدارته لشؤون الدولة، من تقدم وتطور وتميز على جميع الأصعدة والتفوق الذي حققه ولا يزال وفريقه في السياسة الداخلية والخارجية.
لم يكن إعجابا «شرقيا» بأشقر وسيم رزين، بل برجل آمن بمبدأ والتزم به ولم يترنح رغم وقوف العالم على الكفة المقابلة ليهز مشهد القيادة المسلمة لتركيا، ولكنهم صمدوا وما استكانوا».
أيضا هو ليس انبهارا بشاب برزت عليه بوادر زعامة مبكرة حين فضل شاربيه على البدلة العسكرية وشق طريقا شاقا في حياته الشخصية والمهنية.
أو تعاطفا مع مناضل كان السجن سبيله لرئاسة الوزراء وقدره أن يقود مجتمعا لا يشبهه كثيرا، أخلاقيا ودينيا، ولكنه اختاره ليكون قائما على مصالحه.
الأمر أبعد بكثير من العقول «الفرويدية» المسكينة.
فكل الأسباب السابقة وغيرها، شكلت حقيقة لدي، أن أردوغان زعيم القرن في القيادة السياسية لدولة كانت إسلامية المنهج صارت علمانية، استطاع هو ومن معه، عبر الالتزام بدستور علماني أن يحقق انتصارا لـ «فكرة الإسلام» التي ظن كمال أتاتورك أنه سحقها قبل مائة عام، وكان يجهل أن القيم العلمانية أقرب طريق لتكريس القيم الإسلامية في عقول الأتراك، ذلك بأن الإسلام في قلوبهم، ولما جاء أتاتورك ليحاكي العقول والمادية والنفعية، تبعته ابتداء والأسباب كثيرة لترهل الدولة العثمانية لسنا بمقامها، ولكن بقيت الفطر السليمة تتساءل وتبحث في كل سلوك علماني عن الإسلام وتقارن تطبيقاته بها، والنتيجة اختيار الشعب للتيارات الإسلامية لإدارة تركيا، رغم أنها لا تطرح الإسلام على الطاولة، ولكنها تطرح قيمه وأخلاقه ومبادئه، ما وافق الفطر السليمة.
والحقيقة التي كرست رصيد أردوغان وإدارته، أنه ما أن بدأ التنفس اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، حتى اشتعلت الدول في حدود دولته بخلافات وحروب داخلية دموية، ومثلما فعلت مع غزة، اختارت تركيا أن تكون طرفا لحل تلك النزاعات بسبب تلك المبادئ التي أقصها عليكم منذ أول المقال.
أردوغان لم يتردد في إعلان بل تحمل مسؤولية الحل لظاهرة سلبية في مجتمعه رغم أن الحكومة غير مسؤولة عن تصرفات الأفراد، إلا أن الشعور بأن الدولة كيان متماسك لا فرق فيها بين الحكومة والشعب فالكل يبحر بذاك اليخت الذي يحمل كل المتناقضين ويفرض عليهم التعايش على أن يوافق الجميع على الاحتكام للقانون.
أثناء سردي للمقال، ظلت تلاحقني بعض ما عندنا من ظواهر سلبية، نأكل فاسدا، يعالجنا فاسد، نتنفس هواء فاسدا، أفسدوا بحرنا بالنفايات، أفسدوا مناطقنا بالدعارة، أفسدوا مشاريعنا بالرشاوى، أفسدوا طلابنا بالاستغفال عن الغش، أفسدوا علينا حياتنا ولا «حياء» لمن تنادي ورغم أن الحكومة مسؤولة عن منشأ الفساد وتفشيه ونتيجته، والشعب هو المتضرر الأكبر منها، إلا أنها تستخدم أسلوب الخصومة بين الأزواج لتستمر الحياة، فتترك للوقت مهمة الإصلاح، أو تعول على الذاكرة للنسيان، أو ترفع السقف وتلوح بالانفصال والحرمان من الحقوق الشرعية والأبناء، وهنا يرتدع الشعب ويتأدب حتى لا يصبح «مطلقا».