أقلامهم

أنوار الجويسري: لا عاقل على وجه الأرض يرغب بالحقيقة كاملة، لأن كمال الحقيقة يعني نقص الواقع.

فواصل فكرية / جزء من حقيقة
انوار مرزوق الجويسري
أنحن حقاً نبحثُ عن الحقيقة الكاملة؟ تساؤل فيه الكثير من الشك في سعينا الحقيقي في الحياة، يُثير في نفوسنا ضجةً غريبة صادرةً من الضمير والعقل والعاطفة، وأخرى من الأحلام والطموحات والمساعي، فلكل فرد ضمير مهما علا صوته أو خبا، ولكل فرد حصيلة معرفية تقيّم من خلالها الأشياء والأفكار، كما لكل فرد طموحات يسعى لتحقيقها، و كل تلك المكونات تواجه الحقيقة بشكل أو بآخر وقد لا تبحث عن الحقيقة بقدر ما تخفيها!.
أن نظن بأنفسنا وبالآخرين خيراً فذلك من تمام الرقي وصفاء النفس، لكن تجاربنا التي نعيشها و خبراتنا التي نخوضها تؤكد لنا أن الحقيقة في الغالب ليست مطلباً للجميع وإن كانت مطلباً أو هدفاً للبعض، إلا أنه لا عاقل على وجه الأرض يرغب بالحقيقة كاملة، أولاً لأن كمال الحقيقة يعني نقص الواقع، و ذلك مما لا يرجوه أحد، ثانياً لأن في فضح الحقيقة – كما يردد البعض – معنى السلبية والتخريب والضياع، وأخيراً لأن الحقيقة الكاملة لا تُلبي مطالبنا ولا تخفف من أعبائنا بل تسهم في تفاقم القيود وتعب الضمير وهلاك الإنسان.
من حكمة الله أن أخفى عنا الكثير من الحقائق كي نعيش حياةً بشرية تظل قاصرة، ولكي تتجدد مساعينا دائماً في البحث عن أجزاء الحقيقة المتبعثرة، فالجزء دائماً أخف من الكل وأهون، وقدراتنا مهما علت لا تصل لمرحلة تحيط من خلالها بكل العلوم وبالحقائق كاملة.
الحقيقة التي أتكلم عنها ليست مقتصرة على الحقائق الكبيرة التي تفسّر لنا الظواهر الغيبية ولا على الحقائق العلمية البحتة، وليست الحقيقة دائماً شيئاً منوطا بالكون والحياة والآخر، بل أعني بالحقيقة صغيرها وكبيرها، ما يخص الكون منها وما يخص النفس، فمن يبحث عن حقائق الكون وكشف مساعي الآخر وكيفية سير الحياة والعوالم دون البحث عن حقيقة نفسه فقد خسر نفسه والحياة معاً.
الحقيقة أن توقن من نفسك خيرها أو شرها، الحقيقة أن تواجه نفسك في كل حين، الحقيقة أن تعلم أن شخصاً ما يحبك ويهتم لأمرك، أن تتأكد من شعورك وتعمل به، أن تمثّل مبادئك واقعاً واضحاً جلياً، الحقيقة في أنصافها حينما يكون في النصف خير، وفي معظمها حينما يكون في معظمها خير، في أقلها حينما يكون في أقلها خير، ليس من الصواب قول حقيقة فيها مفسدة، ولا من العقل كتمانها وفيها مصلحة، وللشرع في ذلك دليل.