أقلامهم

بدرية البشر: إذا أردت للحرب أن تنتهي فلا ترفع شعار “لا للحرب”، بل ارفع “نعم للسلام”.

لا تقل لا للحرب بل قل نعم للسلام
كتب المقال: د. بدرية البشر
إذا أردت للحرب أن تنتهي فلا ترفع شعار “لا للحرب”، بل ارفع “نعم للسلام”. هذه العبارة التي حفرتها الأم تيريزا هي منهج عملها الخيري الطويل، وهو المبادرة بالفعل البناء بدلاً عن الهدم، هذا المنهج لا يشبه من قريب ولا بعيد ما نفهمه نحن العرب في كيف نبني فكرة خيرة، لأن كل ما تعلمناه وقضينا عمرنا فيه، هو كيف نهدم فكرة شريرة، لكن الأفكار الشريرة مثل رأس غول يتجدد، فكلما قطعت له رأساً خرج عليك رأس آخر، وهكذا تنتهي حياتك وتستنزف طاقتك وأنت تظن أنك تبذلها في فعل الخير، وتستغرب لم لا تنجح.
لم نتعلم كيف نكون إيجابيين ومبادرين وذوي هدف واضح ومحدد، فليست هذه من فلسفة التعليم العربي لدينا، ولم تكن مبادئ تربوية شائعة في عقول آبائنا، لذا تركنا شبابنا للريح الآتية من كل صوب، وكانت صدمتنا عظيمة حين وصلوا بنا إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
“لوياك”، منظمة تطوعية مركزها الكويت، وجدتها أخيراً تقوم بفكرة مقاومة العنف والفراغ عند الشباب بنشر أفكار التفهم والسلام، وبتمكين الشباب من ملء أوقات فراغهم الطويل بالحركة والعمل والأمل. فلسفتها أن تؤمن أنك جزء من هذا العالم، وإذا ما قدمت له الخير فإنه يعود بالمقابل عليك.
فاجأتني “لوياك” بأنها تعنى بمفهوم التطوع عبر مفهوم تطوير الذات أولاً، فأنت تتطوع من أجل خير نفسك حين تفيد الآخر، وتمد يد العون إليه، فالخير حلقة تدور، وحين تبدأ منك فإنها تعود إليك في الأخير، لكن من طرف آخر لا تعرفه.
قالت لي رئيسة مجلس إدارة منظمة “لوياك” الأستاذة فارعة السقاف في وصف العمل التطوعي إنها جربت متعاً كثيرة، لكنها لم تجد ما يعادل متعة العمل التطوعي الذي يمنح روحك السلام والطمأنينة. شعرت بهذا السلام أيضاً وأنا أزور “لوياك”، وأقابل الشباب والشابات الذين يعملون ويستفيدون من “لوياك”، ومنهم الشاب الصغير الشاعر حمود الشايجي.
شاهدتهم في مقاطع مصورة من مسرحية الخيزران، وفي مقاطع وهم يلعبون الكرة، كما شاهدتهم خارج الكويت يرممون غرف الفقراء المتهالكة ويجددون طلاء غرفهم ويفرشون دار أيتام، كما شاهدت أيادي الشباب والشابات تبني مصنعاً للنسيج في كينيا سيتكفل بإعالة 25 عائلة. هل هو عمل صعب؟ لم يبد لي ذلك فقد كانت الحياة تتدفق في عيون الشباب وهم يتصدون لمسؤولية العناية بالآخرين، ويكتشفون قيمتهم وأهميتهم من خلال هذ العمل الذي يصب أخيراً في هدف المنظمة: نشر أفكار السلام والتحصن ضد العنف.
تفعل هذه الأفكار فعل السحر أكثر مما تفعل أفكار اقتل عدوك، لكن المحزن أن دعم مثل هذه المنظمات الأهلية التطوعية لا يأتي ضمن أولويات كبرى الشركات والتجار ورجال الأعمال. بعضهم يظن أن فعل الخير ليس له سوى طريق واحد تقليدي، كبناء مسجد أو تفريق الصدقات، وبعضهم يحرص أن يقربه تبرعه من اهتمام مسؤول ما. أنا شخصياً أظن أننا يمكن أن نستفيد من تجربة الأم تيريزا في دعم مثل هذه المنظمات، فهي التي قالت: “لو أن كل واحد منا عمل عملاً صغيراً، لعملنا عملاً كبيراً”.