أقلامهم

لمى العثمان: معركة التهميش والاستحواذ على السلطة دون مشاركة فئات المجتمع هي معركة لا رابح فيها.

درس البحرين 
كتب المقال: لمى فريد العثمان
مر عامان على انطلاقة الحراك الشعبي في البحرين، أيام عصيبة ومرة تصاعدت خلالها الأزمة، وتفاقمت إلى أزمات متوالدة… بدأت الأزمة بتصاعد الحل الأمني وقمع المطالبات بالإصلاحات السياسية، وانفرطت سبحتها لحظة سقوط الضحايا، لتدخل البحرين بعدها في أزمات سياسية وحقوقية وطائفية طاحنة.
الحراك الشعبي البحريني ليس وليد اللحظة، بل حراك تاريخي يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، حين طالبت الحركة الإصلاحية بالمشاركة السياسية، وهو حراك توسع حين تعثرت التجربة الديمقراطية، وتم تعطيل دستور 1973 في عام 1975، وامتد إلى التسعينيات عبر تنظيم الأحزاب المعارضة والاحتجاجات الواسعة وحركة العرائض التي طالبت بالحريات والمشاركة السياسية.
لم يهدأ هذا الحراك الشعبي إلا بعد مبادرة “المشروع الإصلاحي” في عام 2000، إلا أن دستور 2002 الجديد أصاب هذا المشروع في مقتل حين قيد صلاحيات البرلمان وسلطاته. طالبت القوى السياسية بعد ذلك بالعودة إلى دستور 1973، فما فائدة دستور لا يمنح سيادة للأمة على السلطات؟ وأعلنت مقاطعتها للانتخابات، وفي 2004 عقدت مؤتمراً ووقعت على عريضة بمطالب دستورية، لكنها قوبلت بالرفض.
أنتجت الديمقراطية الوليدة المشوهة قوانين مقيدة للحريات، أفشلت استكمال المشروع الإصلاحي، وتفاقمت الأزمة المعيشية والمواطنية، لاسيما باستمرار سياسة التجنيس السياسي العشوائي، الذي منح المجنسين صلاحيات وحقوقاً لا تحصل عليها فئات من المجتمع، كالتوظيف في القطاعات الأمنية والعمل والسكن والخدمات. وفي 2009 و2010 وقعت عرائض وخرجت مسيرات احتجاجاً على التجنيس السياسي وتردي المستوى المعيشي تحت شعار “إلا لقمة العيش”.
وقد حذرت وتنبأت كتابات عدة، قبل حراك 2011، بوصول احتقان الشارع إلى درجة الغليان، إلا أن اللامبالاة كانت سيدة الموقف إزاء المطالبات بالعدالة الاجتماعية، وإلغاء التمييز، والحق في المشاركة السياسية. وجاءت الاحتجاجات السلمية في 2011 مطالبة بحقوق عادلة ومشروعة، ليختزل هذا الحراك التاريخي في تهم “المؤامرة” و”الأجندة الخارجية”، وتتحول الأزمة السياسية إلى أزمة طائفية، حين تفاقم الخطاب التخويني، وأدى إلى انقسام غير مسبوق وصل إلى حالة لا يمكن أن يربح فيها أحد، حالة من الانتحار الجماعي، والسبب تحول الأزمة السياسية إلى أزمة أمنية وطائفية، امتدت آثارها إلى باقي دول الخليج ومجتمعاتها الهشة، بينما تكمن المشكلة الأساسية في استحقاقات إصلاحية، وتحول في المفهوم القروسطي للدولة، والاحتكام إلى دستور عقدي توافقي.
وقد جاء تقرير “هيومن رايتس ووتش” في 31 يناير ليؤكد استمرار لجوء الحكومة إلى الحلول الأمنية، بدلاً من الإصلاح والوفاء بوعودها في تطبيق التوصيات الصادرة عن لجنة تقصي الحقائق، التي تم تعيينها للتحقيق في أحداث 2011، والتي وثقت وأقرت انتهاكات لحقوق الإنسان كاستخدام القوة المفرطة والاعتقالات التعسفية والمحاكمات غير العادلة، وانتهت إلى توصيات أهمها الإفراج عن السجناء السياسيين، ومحاسبة المسؤولين المتسببين في الانتهاكات.
وتأتي اليوم، بعد عامين من معركة الاستنزاف المجتمعي والسياسي والأمني، مبادرة الحوار والمصالحة الوطنية، التي لو أتت في البداية لما وصل الوطن إلى هذه المرحلة من المرض، الذي يطول علاجه ووقته، ولن يتعافى إلا بحلول سياسية إصلاحية كفيلة بإخراجه من أزمته.
هذا هو درس البحرين للحكومات والتيارات السلطوية… إن معركة الإلغاء والتهميش والتمييز والاستحواذ على السلطة دون مشاركة فئات المجتمع هي معركة لا رابح فيها، وإن بنيان سلطتها على تلك الأسس المتهالكة، سيؤدي إلى انهيار البنيان على رؤوس الجميع دون استثناء.