أقلامهم

مبارك الذروة: أدركت القبيلة إنها كانت أداة لضرب التيارات الوطنية، فإذا بها تتحول إلى معارضة شرسة.

رواق الفكر / «هوشات» لها معنى
د. مبارك الذروه
طرح الفكر الإنساني مفهومين في غاية الأهمية لهما علاقة في نشأة الصراع وإدارة ملفات الأزمات السياسية والاجتماعية. مفهوم التنوع والتضاد. فهناك اختلاف تنوع… وهناك اختلاف تضاد.
هل نحن في الكويت – والحديث عن التيارات والقوى والأفكار السياسية – نعيش حالة التنوع ام ننام ونصحو على حالة التضاد؟ هل اختلافاتنا ثرية بسبب تنوعها؟ أم هي فقيرة ومدمرة للنسق الاجتماعي بسبب تضادها وتشرذمها؟ ولماذا؟ يبدو لي ان المشكل الأساسي للأزمات المتلاحقة داخل المفعولات السياسية يقع بسبب عجز الحكومة عن ادارة التنوع الاجتماعي ضمن البناء العام في المجتمع… بل والعجز عن توجيه هذا التنوع لخير البلاد والعباد وترك المفسدين والمستفيدين من الفساد في ضرب المكونات وتحويلها الى اتجاه الصراع والتدمير…
هناك تنوع واضح يشكل بمجمله مكونات الشعب الكويتي كفئة التجار والاسرة والقبائل والحضر والشيعة والبدون، وهناك قوى سياسية فاعلة وتيارات فكرية وشبابية ناشطة، وقد تلعب كل فئة من هذه الفئات دورا مهما في انتاج العمليات السياسية بل وتوجيهها اما لمصالح الفئة او للصالح العام بالتبعية!
في كل مجتمع تتجه استراتيجيات العمل نحو توظيف التنوعات العرقية والطائفية والايديولوجية لصالح الامة، مع عدم اغفال حق تلك الانساق البشرية في اشباع مصالحها الخاصة وحقها في تقرير مصيرها المادي والمعنوي والذي لا يتصادم مع حق الأمة العام.
تاريخيا قامت الحكومات السياسية باللعب على هذه التنوعات وتوظيفها لضرب المعارضة السياسية، فمنذ الستينات كانت هناك (العزوة أو الرصاصة) متمثلة بنواب الحكومة والتي تجهض مشاريع الاصلاح والتي كان التيار الوطني انذاك يحمل جزءا كبيرا من مشاعلها! ثم دارت رحى المعركة السياسية لضرب فئة معينة في الثمانينات بالتيار القومي والمدني ايضا! ثم استغلت بعض التيارات لضرب التيار الليبرالي او اليساري في ذاك الوقت! حتى القت الحكومة بعصا الترحال بساحة القبائل ثم الاخوان لتضربهم ضربا لم يسبق ان ضرب مكون من مكونات المجتمع مثله!
ولكن لم يحدث كل ذلك؟ ان المكتسب الدستوري وما يحمله من حياة الرغد والرفاه لايحتاج الى مزيد بيان. وان الشعوب تتطلع دوما الى مزيد من الحرية والمشاركة. لقد حدثت تحولات كبرى داخل النسق القبلي، فأصبح ابناء القبائل من الفاعلين العاملين في التنمية العامة للدولة، فحملوا الشهادات العليا وتطورت مطالبهم الدستورية لتلتقي مع مطالب التيارات الوطنية الفاعلة، واندمج كثير من ابناء القبائل مع ابناء الحضر في وحدات واحدة لتغيير النهج الفاشل والفاسد لادارة التنوع. فلم يعد مقبولا عند القبيلة ان يسود نواب الدينار والدرهم ولم يعد لرموز القبيلة الكلمة السياسية التي لا ترد كما كانت في الستينات!! بل اصبح الوعي العام لابناء القبائل يجعلهم يبحثون عن دور اساسي في المجتمع لا يقل عن اقرانهم من الانساق البشرية الاخرى…
لقد ادركت القبيلة انها كانت مطية الصراعات السياسية وانها كانت دمية واداة لضرب وتحجيم التيارات الوطنية والقومية في الستينات مقابل عطايا وشرهات وهمية لا قيمة لها! عندما فات الاوان وادركت القبيلة انها وابناءها ألعوبة بيد نواب الخدمات الذين اوجدهم نهج الفشل في ادارة التنوع، حاولت ان تصحو، فاذا بها تتحول الى معارضة شرسة بنفس رجل الصحراء الشرس!
لم ينعم ابناء القبائل كغيرهم بالمناصب والمراكز رغم حجمهم العددي الهائل! وبعد عقود من الولاء للحكومة والوقوف معها ضد المعارضة انذاك، لم يستحقوا العدالة والمساواة مع الحضر والتجار، بل شعروا انهم دمية وفداوية بسبب مخرجاتهم التعسة ونوابهم الذين صنعتهم عطايا واموال الشيوخ والحكومة!!
ان صحوة هذا المكون المهم في البلد واتجاه ابناء القبائل الى التغيير وتطوير مخرجاتهم جعل النهج الفاشل لادارة التنوع غاضبا، فجرمت فرعياتهم واتهموا بانتماءاتهم واضحت ملفات ازدواجية الجنسية جزءا من تهديد الأمن الاجتماعي العام وباتت ملاحقة أو سجن المغردين سمة واضحة لا تحتاج الى اثبات…
ان عدم قدرة الحكومة مثلا على تقبل اداء الاعلام اللاذع هو بسبب المنهج الفاشل في ادارة التنوع، وان عشرات القرارات الحكومية تم التراجع عنها بالاحكام القضائية او بعد فوات الاوان…
ليس ما يطرح اليوم في الساحة السياسية مجرد آراء ورؤى بل هي مشاريع دولة نهضوية تنقل الحياة السياسية الى مرحلة جديدة مقبلة لا محالة. فهل تعود الحكومة الى رشدها لتدير ملفات التنوع لخير البلاد والعباد…؟