أقلامهم

حسن جوهر: السياسة حوّلت برلمانات الكويت من طليعة النظام الديمقراطي في العالم العربي إلى مجلس «صم بكم عمي»

قاتل الله السياسة!
كتب المقال: د. حسن عبدالله جوهر
من حق الجميع أن يتغنى بالوطنية، ومن حق أي مواطن أن يدعي الشرف والأمانة والنزاهة والعمل من أجل المصلحة العامة، فهذا مبدأ وجداني ودستوري، ولا يعلم بواطن الأمور إلا الله سبحانه، وفيما عدا ذلك، فإن السياسة بكل ما أوتيت من دهاء وأدوات هي المحرك الأول والأخير للمواقف والمبادئ، وإن تغلفت بأي جلباب وما أكثر الجلابيب هذه الأيام.
فالسياسة هي التي أتت لنا بمجلس تغير فيه نظام التصويت والانتخاب، واستفرد فيه مدَّعو «السمع والطاعة» لولي الأمر، ونفس السياسة هي التي انقلب على أعقابها المتحمسون اليوم لاستجواب رئيس الحكومة ووزرائه الذين عينهم نفس ولي الأمر، فأصبح لا عزاء لا للسمع ولا للطاعة.
والسياسة هي التي دفعت مجموعة من النواب إلى إنكار ما قامت به الحكومة لتأجيل استجوابات وزرائها لمدة دور انعقاد كامل، وقالت ما لم يقله مالك في الخمر بحق استخفاف الحكومة بمبدأ الرقابة والمحاسبة البرلمانية، بعدما كانت السياسة هي ذاتها ما دفعت نفس هؤلاء النواب إلى الاستبسال في الدفاع عن هذا التأجيل اللا محدود قبل أشهر عدة فقط، وفي نفس المكان وبذات المضمون.
والسياسة هي التي أوعزت إلى عدد من نواب الأمس بالوقوف ضد العشرات من الاقتراحات الخاصة بمعالجة مشكلة فوائد القروض الجائرة وتحميل البنوك المخالفة مسؤولية ذلك، وبالمقابل مباركة مشروع الحكومة الذي نزل بـ«الباراشوت» بين ليلة وضحاها ليس مرة وإنما مرتين، وها هي السياسة تطل برأسها عند نفس هؤلاء النواب لتعتبر هذا المشروع الحكومي شوكة في خاصرة الناس ولا بد من إسقاط فوائد القروض بقانون كالذي قدم قبل أربع سنوات!
والسياسة هي نفسها التي هزت البلد بفضيحة «القبيضة» التي ارتبطت بقيمتها وتوقيتها مع الاستجوابات التي قدمت لرئيس الحكومة وبعض الوزراء في مجلس 2009، وها هي السياسة تعيد إلى السطح استجوابات إلى وزراء في نفس الحكومة يتبناها اليوم باسم الدفاع عن المال من أحيلوا إلى النيابة والتحقيق على تورم أرصدتهم البنكية بالملايين خلال ستة شهور لا غير!
والسياسة أيضاً هي التي حوّلت برلمانات الكويت التي تمثل طليعة النظام الديمقراطي في العالم العربي والنموذج الذي يتوق إليه أي مواطن في كل الدول العربية إلى مجلس ينطبق عليه قول الله عز وجل: «صم بكم عمي فهم لا يرجعون»، بل ويتفاخر البعض بهذه الأوصاف ما دامت تبقيهم على الكرسي الأخضر مدة أربع سنوات، و»يا دار ما دخلك شر»!
هذه بعض صور السياسة قاتلها الله وكفانا شرها الكثير، ومنها ومن أدعيائها نستجير.