أقلامهم

وليد الرجيب: الشركات الرأسمالية في الغرب عانت من كره الناس لها وابتعادها عن منتجاتها.

أصبوحة / الشركات والثقافة
وليد الرجيب
كنت قد كتبت في بداية تسعينات القرن الماضي في عمودي «البوصلة» بجريدة الطليعة موضوعاً حول دعم الشركات الغربية للمشروعات الثقافية، بل أنشأت الشركات الكبيرة في بريطانيا صناديق مشتركة لدعم الثقافة، وبعضها أشرف على فرق مسرحية ومدارس فنون جميلة، وساهم ببناء جامعات ومختبرات.
وعندما كنت أحضَر لاحتفال الكويت عاصمة للثقافة العربية عام 2001م والمسؤول عنه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وضعت من ضمن المشاريع مشروع انشاء «صندوق لدعم الثقافة» تساهم فيه الشركات والبنوك لبناء مسارح وصالات عرض للفنون التشكيلية وتأسيس فرق موسيقية سيمفونية… الخ على غرار نظام مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، ولكن للأسف لم تستجب أي من الشركات حتى تلك التي يمتلكها مهتمون بالثقافة لهذا الاقتراح.
وأخيراً لفت نظري تسليط ضوء احدى الأخوات على مقال يشيد بالدور الاجتماعي للشركات الغربية في دعمها للثقافة حيث شببهم كاتب المقال بآل مديتشي في عصر النهضة واهتمامهم بالثقافة والفنون والفلسفة والأدب في فلورنسا بالذات، والمديتشي كانوا حكام فلورنسا الايطالية.
بالطبع لا أحد ينكر دور المديتشي بالفنون والثقافة عامة ما جعل فلورنسا بأكملها متحفاً كبيراً ما زال ماثلاً حتى يومنا هذا وخاصة بوجود فنانين كبار مثل مايكل أنجلو، لكن ظرف المديتشي كان مختلفاً عن دور الشركات في عصرنا الرأسمالي فقد كان هناك صراع عميق بين التنويريين وبين المحافظين والمتشددين في أوروبا من أجل الغاء سيطرة الكنيسة على مجريات الحياة بما فيها الحريات والتقدم الاجتماعي، لكن حتى المديتشي استغلوا الفنون من أجل مصلحتهم السياسية خاصة بعدما أُبعدوا عن الحكم لصالح المحافظين فطلبوا من مايكل أنجلو أن ينحت عملاً يمثل عودتهم للحكم ويحرض الناس على دعمهم، فنحت مايكل أنجلو رائعته «ديفيد» أو تمثال داوود.
أما في ما يخص الشركات الرأسمالية في الغرب فقد عانت من كره الناس لها وابتعادها عن منتجاتها وخاصة صناعاتها الحربية التي سببت دماراً للبشرية، فاتجهت الى حيلة دعم الثقافة والفنون، فمثلاً احدى الشركات خصصت دعماً لمسرح يختص بأعمال شكسبير لعلمها بمدى فخر البريطانيين بكاتبهم شكسبير، بل تنافست الشركات على دعم الجامعات والمعاهد العلمية والفنية، باشتراط أن يوضع اسم الشركة على لوحة رخامية أو نحاسية على مداخل هذه المؤسسات، وتحرص أن يكون اسمها أول اسم، فحسب العرف أن أكبر المتبرعين أو المساهمين يأتي اسمه على رأس قائمة أسماء المساهمين.
لكن هذه الحيلة يقصد منها تحسين صورة الشركات عند المستهلكين وبالتالي اقبالهم على منتجاتها على اعتبار أنها تقوم بواجب أو مسؤولية اجتماعية، فبذلك تكون قد حققت هدفها الرئيسي وهو الربح ومضاعفته وحسنت صورة استغلالها للطبقات العاملة والفئات المهمشة.
لكن هذه الحيلة أو الخدعة لا تمنع هذه الشركات الرأسمالية من الوقوع في أزمات النظام الرأسمالي الاقتصادية مثلما يحدث هذه الأيام، بل لا تقوم بمسؤولياتها الاجتماعية الأساسية في المساهمة بالقضاء على البطالة مثلاً، بل تعمد الى تسريح أعداد كبيرة من العاملين بأجر حالما يتعرض هدفها بالربح الى الخطر حتى وان قل الربح بضعة «فلوس».
أما الشركات الكويتية أو القطاع الخاص فهو قطاع طفيلي وغير منتج يقتات ويعتاش على دعم القطاع العام ويتميز بالجشع، فما بالك بمسؤولياته الاجتماعية التي يتنصل منها مثل توظيف المواطنين، أما دعم الثقافة فهو لا يبالي بها ولا يعترف بأهميتها الاجتماعية بل قد يدعم مسرحيات تافهة تحط من الذوق العام لكنها تدر ربحاً عليه.