أقلامهم

سعدية مفرح: لو.. تفتح قانون الإعلام الموحد.

أسفار 
لو.. تفتح قانون الإعلام الموحد
الاسم: سعدية مفرح
لو تفتح عمل الشيطان، وتفتح أيضا جميع الاحتمالات المعقولة وغير المعقولة، وتفتح الأبواب المغلقة والموصودة، وتفتح نوافذ الظنون الآثمة وغير الآثمة.. وتفتح النقاش واسعا، وإن كان بتحفظ (ويا للمفارقة)، حول مشروع قانون الإعلام الموحد الذي أقرته الحكومة مؤخرا باعتباره، وفقا لها، سيكون قادرا على تنظيم كل أشكال الإعلام الراهن ورقيا أو ألكترونيا، سمعيا أو مرئيا.
لو، أقول لو، كتبت في ظلال هذا القانون على سبيل المثال مقالة ثقافية تاريخية (وليست سياسية)، ونشرتها في الصفحة الثقافية في القبس حول معركة الصريف التي تعتبر أحد أهم المعارك في تاريخ البلاد.. ماذا سيحدث بالضبط؟
سأكتب في هذه المقالة طبعا عن أطراف المعركة وأسبابها ونتائجها وعمن اشترك فيها ومن لم يشترك من طوائف وفئات المجتمع الكويتي آنذاك، وفقا لما ذكره معظم المؤرخين الذين كتبوا عن تلك المعركة. وسأنشرها وأنشر معها قصيدة شاعر الكويت الكبير حمود ناصر البدر التي كتبها قبل بدء المعركة وتداعياتها في إطار التجييش الكويتي لها، كما سأنشر من باب الأمانة العلمية بعض القصائد التي قالها في ذلك الوقت شعراؤها ردا على البدر، ومنها مثلا قصيدة الشاعر ابن روسان الشميلي الشمري..
وحثاً على ترك مبغضات الماضي المتكئة على التاريخ الحديث للمنطقة قد أستشهد في سياق المقالة بعبارة لسمو ولي العهد تشير الى ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية، وقد يجتهد مخرج الصفحة الثقافية بتزيين الموضوع ببعض الصور التاريخية مع شروحاتها وتفصيلاتها غير المؤكدة ككثير من الصور التاريخية أيضا.
ما ان تنشر هذه المقالة حتى يكون من المحتمل جدا أن أكون متهمة بعدة جرائم نشر وربما سيتحتم علي، بعد التي واللتيا في إطار المحاكمات والقضايا أن أدفع مليون دينار كويتي بالتمام والكمال للحكومة.. كغرامات. دعك من العقوبات الأخرى التي سأتعرض لها.. وبالتأكيد ستكون لائحة الاتهامات كثيرة ومتنوعة، لكنها كلها تندرج في إطار ذلك القانون المقترح، ومنها مثلا: الدعوة او الحض على تمييز او كراهية او ازدراء اي فئة من فئات المجتمع، او المساس بالوحدة الوطنية، او اثارة الفتن الطائفية، او القبلية او التحريض على ذلك، والاضرار بالعلاقات بين دولة الكويت وغيرها من الدول، والتعرض لشخص سمو ولي العهد والتقول عليه، والاساءة لمكون من مكونات المجتمع.. و.. و.. إلخ من التهم التي قد لا تخطر على بال القارئ، لأنها اساسا لم تخطر على بال من يفكر بكتابة مثل هذا الموضوع التاريخي أساسا..
ماذا لو، لجأت مرة أخرى لـ «لو» ثانية، وكتبت هذه المرة عن كتاب ألف ليلة وليلة، على سبيل المثال، واستشهدت ببعض مقاطع منه في سياق المقال؟ ونشرت مع المقال لوحة من لوحات الاستشراق التشكيلية عن عصر «الحريم» مثلا في العالم الاسلامي؟
هذه المرة قد أكون متهمة بالتأكيد بتهمة تتعلق بخدش الآداب العامة، حتى لو كان الهدف من نشر تلك المقاطع هو نقدها مثلا..
حسنا.. ماذا لو (مرة ثالثة) نشرت ضمن مقالة لي عن أدب الأطفال رسمة بسيطة لطفلة صغيرة تبدو فيها أعلام الدول الخليجية، وقد أخطأت بعدد المثلثات الموجودة في علم قطر أو البحرين على سبيل المثال، أو أخطأت برسم الشعار الموجود على علم عمان على سبيل المثال؟ سأكون متهمة هنا بتحقير علم دولة خليجية..
لاحظوا أنني حتى الآن لم أخرج من نطاق فصل واحد من مشروع القانون، وهي المادة رقم 84 من الفصل الرابع والمتعلقة بالمسائل المحظورة فقط. والمادة هذه بحد ذاتها أوسع بكثير مما تعرضت إليه الآن، وفقط في إطار ما يمكن أن نتناوله بالكتابة والنشر في الصفحات الثقافية في صحافتنا المحلية، أما بقية المواد في الفصول الأخرى فلعلها أشد من ذلك وأكثر بل وأمرّ.
أبالغ؟ ربما.. أبالغ نظريا، لكن مشروع القانون المقترح يفتح بابا واسعا أمام كل هذه الاحتمالات لتكون واقعا حقيقيا. ثم ان القوانين لا تكتب للنوايا الطيبة..!