أقلامهم

ذعار الرشيدي: ليس بالضرورة ان ما يقرره الاب سيعجب ابناءه، حتى ولو كان فعل الاب جاء بحسن نية.

جرعة سياسية زائدة
بقلم: ذعار الرشيدي
في أحد أيام ربيع العام 1998 عاد والدي من رحلة قنص ومعه «جرو صغير»، وأخبرنا بأنه عثر عليه في منطقة صحراوية نائية يكاد يموت جوعا فأراد ان يكسب فيه أجرا بأن يحضره الى منزلنا حتى يتعافى ثم يطلقه.
في اليوم التالي دبت الحياة في الجرو الذي خصص له والدي صندوقا صغيرا بالحوش، ولكن الجرو ومع إطلالة يوم جديد في حياته التي كان يفترض ان تنتهي بالصحراء بدأ بالنباح وبشكل متواصل وكأنه يحتفل بعودة روحه التي كاد يفقدها، ولم يكن يحلو له النباح الا في ساعات الصباح الأولى، الامر الذي لم يعجب أشقائي الثلاثة الذين تطل شبابيك غرفهم مباشرة أمام صندوق الزائر الجديد، تحملوه في اليوم الأول والثاني والثالث إكراما لأبي، وصبروا على «غثاثته» المتمثلة في قيامه بإيقاظهم تمام الساعة الخامسة والنصف صباح كل يوم. ليلة إقامته الرابعة وبعد ان تحول من ضيف مثير للشفقة إلى ضيف غير مرحب به، قرر أشقائي إسكاته بطريقتهم، فتوجه أكبرهم الى صديقه الصيدلي واحضر منه حبوبا منومة، فقام بطحن عدد منها وقدمها بصحبة شقيقي الآخرين الى الضيف بعد ان خلطوها وسط طبق تونة، وتعمدوا آلا يقدموا له الطبق «المغشوش» الا في تمام الساعة الـ 12 ليلا خاصة ان الصيدلي ابلغ شقيقي بأن مفعول الحبة يستمر 8 ساعات.
في اليوم التالي استيقظ أشقائي في مواعيدهم المحددة، فلم يوقظهم الضيف ثقيل الدم، وكانوا يعتقدون انه لايزال مخدرا، فتح شقيقي صاحب الفكرة شباك غرفته ليطل على الضيف، فوجده متشنجا خارج صندوقه وبالكاد يتنفس وقد استلقى على ظهره ورفع قوائمه الاربعة الى الاعلى ويكاد يسلم الروح الى بارئها، هنا بادر شقيقي بالاتصال على صديقه الصيدلي وأبلغه بما جرى وكيف انه طحن له ثلاث حبات ودسها في طبق التونة، هنا صرخ الصيدلي بلهجته الشامية «العمى كيف تعطو لجرو وزنه 3 كيلو 3 حبات ممكن تسطل آدمي وزنه80 كيلو… ما بعرف هيدا ممكن يموت».
ظل شقيقي يراقب ضحيته عله يصحو، خشية ان يعلم والدي بالأمر، وبدأ يرش عليه الماء، وبعد مرور دقائق اعتدل الجرو ونهض وبدأ يقف على قوائمه، وبدأ ينبح بصوت بالكاد يسمع، دقائق أخرى وبدأ يتحرك بشكل طبيعي، عندها تنفس شقيقي الصعداء، بعد ان كاد يموت الضيف على يديه بـ «جرعة زائدة»، المهم، بعدها بيومين قرر والدي إعادته الى حيث وجده بعد ان تحسنت حالته.
توضيح الواضح: ليس بالضرورة ان ما يقرره الاب سيعجب ابناءه، حتى ولو كان فعل الاب جاء بحسن نية، فذلك لا يعني أن أثره سيكون جيدا أو أن تعامل السكان معه سيكون جيدا، فحسن النية وحده لا يكفي.
توضيح الأوضح: منازلنا… أوطاننا.