أقلامهم

إبراهيم المليفي: أشغلتني مسألة مفهوم النظام نفسه، هل المقصود فيه النظام الديمقراطي أم الأسرة الحاكمة؟

الأغلبية الصامتة: «مسكو نظامكم»
كتب المقال: إبراهيم المليفي
يغتاظ، يحتقن، يسخن، يحتدّ، وينطلق لسانه كالرشاش بكلمات (18+) كلّما قرأ أو شاهد من يكرههم كره العمى، وهم يحصلون على ميزة أو تسمع لهم كلمة، هو يردد سحقاً، اللعنة، وهي باللهجة الكويتية تقال بطريقة مختلفة جداً، ما الذي يحدث؟
 أنا أدافع عن النظام والنظام “يطبطب” على أكتاف المارقين ويجاملهم، ثم تبدأ الأسطوانة المشروخة بأني من اليوم “ما كاري وخل شيوخنا وليس “النظام” يدورون عن سند غيرنا وقت عازتهم”.
في الصباح التالي، شيء ما يحترق في صدر صاحبنا، هناك قوة دافعة رهيبة تجعل أصابعه تتحرك فوق لوحه الرقمي تدوّن الأحرف النارية لتأخذ مجراها اليومي في خط الحمم الإلكتروني، وصاحبنا المغتاظ المحتقن الساخن والمحتد نسي كلامه، وعاد مجدداً يناصر النظام، ويردد بحماسة بلهاء أنا مع الديمقراطية!!
إنها المعركة الخفية، المعركة الحقيقية التي تحرك معظم الأطراف المتناطحة على ساحتنا السياسية، وتتخفى تحت شعارات عديدة، مثل “الدفاع عن النظام” أو “الحكومة المنتخبة”، لا حباً في علي ولا كرهاً لمعاوية، ولكنها في الحقيقة حرب تصفية وإبادة للطرف الآخر واستغلال لظروف استثنائية نعيشها الآن، قد تنقل الديمقراطية في الكويت إلى الأمام، وقد ترجعها إلى عهد الشيخ مبارك الكبير، وفي مثل تلك الحروب الاستنزافية ليس مهماً كم من المال يصرف، وكم من النصوص تُحرّف، المهم تحقيق الانتصار بأي شكل كان.
صاحبنا المغتاظ المحتقن الساخن والمحتدّ، ينفجر غضباً كلما سمع كلمة “حوار” أو “مصالحة وطنية” لأنها تعني لديه بقاء الخصم على قيد الحياة، هو لا يريد استيعاب أن الكويت لا تكتمل بغير مكوناتها الرئيسة ولا تسير بغير دستور 62، ولا تهدأ بغير الكرامة، وغير ذلك لا تعيش بأجواء غير الأجواء التي نعيشها اليوم لأن البعض يريد “تصنيع كويت جديدة” على كيفه ومزاجه، وهذا لن يحصل بإذن الله.
لقد أشغلتني مسألة الوقوف مع النظام ومفهوم النظام نفسه، هل المقصود فيه النظام الديمقراطي أم الأسرة الحاكمة؟ وهل معارضتي لسياسة الحكومة أو تصرّف ما لأحد أفراد الأسرة الحاكمة يعني أني معارض للحكومة فقط أو معارض للنظام بأكمله؟ وقد يأتي واحد مثل صاحبنا المغتاظ المحتقن الساخن والمحتدّ، ويعميها ويتهمني بأني انقلابي لا سمح الله.
بالنسبة إلي ذلك الأمر حسم في المادة الرابعة من الدستور التي تحصر الحكم في ذرية الحاكم الراحل الشيخ مبارك الصباح، وعليه فأنا مع النظام الديمقراطي، ومع كل مواد الدستور بما فيها المادة الرابعة، ومع الأسرة الحاكمة دون شك، مشكلتي الوحيدة في هذه المسألة هي أين النظام الديمقراطي حتى أقف معه؟ ومع كم أسرة حاكمة أتعامل؟
النظام في الكويت “تفلل”، تلك هي الحقيقة لأن كل وزارة وكل قطاع داخل أي وزارة أصبح “نظاماً” قائماً بذاته، والحكومة فقدت السيطرة على جهازها منذ أول “شخطة” توقيع على أول قرار في سياسة المحاصصة، تلك السياسة التي أغرقت حكوماتنا المتعاقبة في بحر من التناقضات والفساد والركود.
في الختام نحن مع النظام الديمقراطي ودستور 62 بكل ما جاء فيه، وكل ما نريده لأجل الكويت هو أن يمسك النظام نفسه، ويبسط نفوذه على كامل أجهزة الدولة، ويوحد سلطته الآمرة تحت سقف الدستور ووفق معيار الكفاءة والمواطنة، عفواً يبدو أني أطلب المستحيل وصاحبنا المغتاظ المحتقن الساخن والمحتدّ سيفقد عقله.