أقلامهم

خالد طعمة: الكلام المبهرج والمصفوف يسلب حق الحشود في اتخاذ القرار وتبيان المواقف.

الكلام المقتضب / الحرية
خالد طعمة
الحرية هي لفظ يكثر ترديده وتداوله بين الناس وفي مختلف أوساطهم الاجتماعية، ولعل أكثر استعمال لهذه الكلمة هو ذلك المتمثل بالندوات والتجمعات السياسية، وربما يتساءل البعض عن سبب تكرار البوح بالخوف والخشية على تحجيم وانتقاص الحقوق لكونه يتنافى مع الحرية ومبادئها ومكوناتها، إن وضع الأمر بيد الغير هو انتقاص مبدئي لها لسبب يعزو إلى أنها ملك لصيق وخاص لكل إنسان في هذه الدنيا الواسعة، ولكن الناس تم إقناعهم بأن مسألة (التوكيل) إلى الغير هي ممارسة للحرية وجزء لا يتجزأ منها، فحتى تكون حراً لا بد من توافر إطلاق الاختيار واتخاذ القرار وبالتالي فإنها موجودة مع الإنسان منذ خروجه من بطن أمه بعد ولادته وتنمو معه مع نمو عقله وجسده حتى يصبح بيده إمكانية اتخاذ القرار، ولا بأس أن يعلم الإنسان من محيطه الاجتماعي من أن ممارسة حريته يجب وأن تكون ضمن إطار مبادئها والتي بنيت من أركان الإيمان والإسلام، فلكل فرد يتمتع بالقدرة على التمييز بين الخطأ والصواب والأهلية المطلوبة للتمتع بالحقوق وتحمل الالتزامات الحق بممارسة الحرية المنظمة، وهذه الأخيرة تكون ضمن إطار الإسلام والقانون والأعراف الاجتماعية السائدة، فهو أي الفرد له مكانة التفرد بقراراته ولكنه بعد سن معينة ونمو مقدر لا بد وأن يلتزم بتلك المبادئ والمكونات.
في عالمنا اليوم تطرب الآذان لسماع مثل تلك العبارات ذات العلاقة مع هذه الكلمة ولكنها قلما ما تصدق لمصالح ضيقة يحاول من خلالها المخاطب حشد الجموع وترتيب تصرفاتها، وهكذا يبتعد الفرد البسيط المنزوي على حاجاته اليومية والمنكب على أموره الشخصية عن أسس العقل والاتزان لأن الآذان طربت لسماع مثل هذه العبارات فيتذكر أموره الخاصة ورؤساءه بالعمل ومواقفه التي لا يد له في التصدي لها إلا ذلك الشخص المخاطب والذي خصه وبين له دفاعه المستميت عن الحريات والتي هي بالأساس في متناول كل فرد منا، تغلب العاطفة وتتحرك المشاعر ويدخل الهوى والحب إلى قلب هذا الفرد وذاك فهو تناسى ما لديه من مزايا وذهب إلى السلبية المتمثلة بالإنصات إلى الكلام المبهرج والمصفوف حتى مكن ذلك الشخص الذي يخاطب الحشود من سلب حقه في اتخاذ القرار وتبيان المواقف.
من هنا تضيع شخصية الأفراد وتصبح مسطرة على ورقة أشبه ما تكون بوثيقة توكيل رسمي إما لتغييب العقل تماماً بالطاعة العمياء أو بتوكيل جزئي بالتنازل عن بعض الحقوق اللصيقة إلى ذلك الشخص والذي استحق لقب السارق بجدارة، ورويداً رويداً نرى السطحية بالطرح وهلامية الجمع، فلا حقيقة في الكلام، فقط أكاذيب بمسميات تتنافى مع الواقع فيتهم المنتبه إلى مثل هذه التفاصيل بالشذوذ أو الخطأ لأنه لم يهدر ما أنعم الله عليه من نعمة العقل والتمييز والأهلية لخلافة الأرض، فأين الحرية؟ هل غدت تحمل نصيباً من اسمها أم أنها أصبحت شعاراً لا حياة فيه. والله سبحانه المستعان.