أقلامهم

محمد حيات: الحراك فوضوي، ولكن لنسأل (العقلاء) أرباب التحضّر أين أنتم عن معالم الفوضى في مؤسسات البلاد؟

سوالف / حـراك فوضوي!
محمد جوهر حيات
يصف بعض الأفراد أنفسهم بالديموقراطيين والسياسيين العقلاء، فتراهم دائماً ينتقدون كل من هو معارض لسياسات ونهج ونمط الحكومة، وبالأخص تجدهم ينتقدون أسلوب الحراك الشبابي بكل حدية وكذلك يتصدرون لصق كل تصرف فردي من أحد شباب الحراك بتعميمه على كل مكونات الحراك نفسه!
صحيح بأن الحراك الشبابي توجد به بعض السلوكيات الطائشة والفردية من (البعض) المندفع، ولكن هذا المشهد يبدو طبيعياً في ظل حراك شبابي متعدد الثقافات والمستويات والقدرات السياسية وليس حكراً على طائفة أو قبيلة أو أي نسيج اجتماعي أو سياسي، ولا ننكر أن العديد من مكونات الحراك ينطلق من نقطة عدم الثقة في مؤسسات وسلطات الدولة والقائمين عليها، فالإحباط وعدم الشعور بالتفاؤل بمستقبل أفضل لوطن واضح على ملامحه بسبب التراجع والتخلف رغم الوفرة المالية والموارد البشرية ومقومات النجاح لتقدمه ونهضته! فهذه النقطة هي من أبرز دوافع عدم الرضى والاندفاع والتسرع وعدم تنظيم آلية الاحتجاج خصوصاً في البدايات إلى أن يكتمل وينصج الحراك وينتظم حول منهجية واضحة تتماشى مع سمو مطالبه المشروعة من إصلاحات وتطبيق قانون وفرض دولة المؤسسات خالية من شوائب (العنصرية والمحسوبية والانقسامات العرقية والمذهبية) والمطالبة بالتوسع الديموقراطي الحضاري، والتعويل هنا على الشباب الواعي والناضج الذي يسعى لمصلحة الأمة وليس الساعي لنيل مقعد كُرسي مجلس الأمة!
نعم أختلف في (بعض) سلوكيات الحراك الفردية من بعض المندفعين، ولكنني مؤمن بما يؤمنون به من مطالب تقدمية حضارية ديموقراطية قائمة على القيم الإنسانية من عدالة ومساواة وحرية، ولستُ من جماعة ما يسمون أنفسهم بالديموقراطيين
العقلاء الذين يهدفون لتحجيم الحراك الشبابي ووصف كل مطالبه السامية بالفوضوية وينصبون أنفسهم بأنهم من يستحق الديموقراطية وممارستها وتفرغوا لنقد الحراك وتضخيم سلبياته ومسح إيجابياته ونعت الحراك الشبابي في كل زمان ومكان (بالحراك الفوضوي) والمتخلف!
لنؤمن قليلا بما يؤمن به الديموقرطيون العقلاء على حد وصفهم لأنفسهم ولنقر بأن الحراك فوضوي ولكن لنسأل هؤلاء (العقلاء) أرباب التحضر والديموقراطية أين أنتم عن معالم الفوضى التي تعج بها مؤسسات البلاد وسُلطاتها؟! عندما تروّن وزراء يتم اختيارهم على أسس ثانوية من باب تنفيذ أوامر رئيس الوزراء وطاعته دون أن يكون لهم رأي ورؤية إصلاحية تنموية تقدمية لمصلحة البلاد والعباد، وتشاهدون الانتقائية في تطبيق القانون من قبل الأجهزة الحكومية، وتُهدر كرامات الناس ويتم ضرب كل من يُعبر عن رأيه بسلميه، وتوزع المناصب القيادية لموالاة عجز الحكومات والتراجع الذي يعم البلاد، وتبدد الأموال العامة وتنتفخ حسابات ممثلي الأمة ويصبح (الفقير) مليونيرياً بلمح البصر، وتتهالك منشآتنا الرياضية والصحية والتعليمية والبنية التحتية وتزداد طوابير الرعاية السكنية، ويلاحق كل ذي رأي مخالف للحكومة، ويمزق النسيج الاجتماعي من قبل أفراد ما هُم إلا تُبع للمتنفذ فلان أو علان وتعجز الحكومات عن التعامل معهم وفق القانون، ويتم التجديد لمن قبعوا في المناصب القيادية لعشرات السنين والشاب يتمنى أنصاف الفرص ليخدم وطناً بحاجة لكل قطرة عطاء، وفئة تزدادُ معاناتها ومأساتها وتهدر حقوقها وتتبخر أحلامها والحكومة تحمل راية العجز والاستسلام في حل مشاكلها ومصائبها، ومسرح تنكسر خشبته وأُدباء ينقرضون وفن يشوه ورياضة تشيخ وتكهل، وامرأة يُـمارس عليها التمييز، وشعب يُـمزق ويتناحر ويعيش في جلباب طائفته وقبيلته وعائلته لعدم ثقة المواطن بقانون يحفظ كرامته وحقه في دولة تتماشى مؤسساتها مع بكتيريا وجراثيم المحسوبيات (ولي حبتك عيني ماضامك الدهر)! أليس كل ما سبق فوضى في فوضى وغوغائية ما بعدها غوغاء يا أرباب التحضر والرُقي؟!
• يكمن القُبح في الإنسان عندما لا يستغل نعم الله عليه، فالخالق خلقنا في أحسن تقويم ورزقنا بعيّـنيـن نرى ونشاهد وننظر بهما، ومن يُريد أن يرى بعين واحد ويُعمي عينه الأخرى ما هو إلا بجاحد لنعم الله عليه وفاقد للبصر والبصيرة!
رغم كل السلبيات يبقى هذا الوطن جميلاً، وفارقا عن غيره من الأوطان، ولكن ما هو المانع بأن نرتقي في ظل امتلاكنا مقومات التطلع والتطوير؟! اللهم احفظ هذا الوطن ونلتقي السبت المقبل ولا عزاء لفاقدي الموضوعية والعقل والمصداقية.