أقلامهم

علي الرز: «حزب الله» لم يذهب وحده إلى القصير، أخذ شباناً نقل عقيدتهم من قتال اسرائيل إلى قتْل اخوة لهم.

«العائدون من القصير»
علي الرز
ردّ «حزب الله» على الغارات الاسرائيلية الأخيرة بتكثيف عملياته لاحتلال بلدة القصير السورية جنباً الى جنب مع قوات الأسد وشبيحته، منسجما مع خطاب النظام السوري الذي يرى ان اسرائيل منقهرة لانه يتقدم في مواجهة الثورة السورية.
بهذا المعنى، لا يجد الحزب ضيراً من قتال الشعب السوري ما دامت اسرائيل «منقهرة»، ولا يعدم الحزب وأدواته في لبنان ايجاد الغطاء «الشرعي» لمشاركته في جرائم الاسد مثل القول ان حركات متطرفة موجودة على الارض او ان هناك لبنانيين يحملون الهوية السورية او ان المقامات الدينية يجب ان تحمى او ان هناك مَن عبث بحجارة قبر… تعددت الأغطية اللاشرعية والنتيجة واحدة: تنفيذ الخطط البديلة لقيام كانتون طائفي يصل مناطق ريف حمص بالساحل العلوي ولو اقتضى الامر إبادة هنا او مجزرة هناك او ترحيلا جماعيا في كل الاوقات والمناطق.
المعادلة واضحة، فـ «حزب الله» لا يخفي انه جزء من المنظومة السياسية الأمنية التي تقودها ايران، وعليه بالتالي تنفيذ كل ما يُطلب منه لبقاء هذه المنظومة قائمة وقادرة. هذا هو العنوان الحقيقي الوحيد الذي يشرح كل ما يرتكبه الحزب من أخطاء وخطايا. دعْك من كل التبريرات الأخرى المتعلقة بالتطرف وحماية المقامات وصولاً الى «نكتة» وجود سيارة اسرائيلية الصنع مع مقاتلي القصير، ودعْك من الرهان على القيم والأخلاقيات وأدبيات الحزب نفسه التي اتضح انه يبرْمجها لمصلحة الهدف الأوحد، فلا تَطلُّع السوريين الى الديموقراطية يعني له شيئاً، ولا الوفاء لأهل القصير الذين احتضنوا أهل المقاومة عند كل اعتداء اسرائيلي يعني له شيئاً، ولا الدفاع عن مجرمٍ سفاح مثل بشار الاسد يعني له شيئاً، ولا حتى احتضان ارهابيي «القاعدة» سابقاً او قتالهم لاحقاً يدخل في اطار المبادئ والشرع والدين… كل عملية «توظيف» محرمة شرعياً واخلاقياً جائزة، ما دام الهدف طاعة الولي الذي أمَر بالدفاع عن بشار.
لكن العودة من القصير ليست أقل كلفة من الذهاب الى القصير، حتى لو رُفعت شارات النصر فوق جثث الضحايا وركام الأبنية. «حزب الله» لم يذهب وحده الى القصير. أخذ معه أشياء كثيرة، أهمها الخرائط الوطنية والاجتماعية والدينية والانسانية. أخذ شباناً في عمر الورود نقل عقيدتهم من قتال اسرائيل الى قتْل اخوة لهم في الدين والانتماء، كل جريمتهم انهم طالبوا بإسقاط نظامٍ يعترف قادة الحزب أنفسهم بأنه نظامٌ قمعي تسلّطي فاسد. غيّر المفاهيم عبر عملية الغسل الممنْهج للادمغة فحوّل حركة شعب طامح للحرية الى حركات تكفيرية مرتبطة باسرائيل واميركا هدفها الاول غير المعلن محاربة الشيعة. نقَل المعركة من الميدان السياسي الى الوجدان الطائفي والمذهبي الذي برعت قيادة الحزب في تغذيته فعلياً ومحاربته إعلامياً.
«العائدون من القصير» كالعائدين من أفغانستان، لا يشبهون أهلهم ومجتمعهم في شيء. غادروا بلادهم في نصف غربة عن واقعهم، وعادوا اليها بغربة كاملة مؤمنين بأن الغرباء هم اخوتهم في الوطن والدين والانسانية. ومثلما قال اسامة بن لادن في لقائه الشهير المصوّر مع بعض رجال الدين الذين زاروه في قندهار إن الرسول عليه الصلاة والسلام أتاه في المنام وأمره بأن يقاتل ضد الكفر والضلال، ها هم مقاتلو «حزب الله» يذهبون الى سورية مسلّحين بعبارات شحذ الهمّة للحرب «على الضلال كله والكفر كله»، ويعودون بمشاعر متأججة ومنامات مفتوحة على كل «الزيارات» والتوجيهات.
مَن يذهب الى سورية للدفاع عن بشار بحجة الدفاع عن «مقدسات»، يذهب في مواكب العار ويعود في نعوش الموت… حتى لو عاد سائراً على قدميه رافعاً إشارة «النصر الإلهي».