أقلامهم

ربيعة الكواري: الإعلام المصري اليوم – ونقولها بكل أسف – تحول إلى إعلام منافق حتى النخاع.

 الإعلام المصري ونشر ثقافة الكراهية!
| د. ربيعة بن صباح الكواري* |
بعد أحداث سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة الاميركية، قام الإعلام الاميركي بشكل خاص والإعلام الغربي بشكل عام بشن حملاته المضادة ضد العرب والمسلمين مع التركيز في تلك الحملات المغرضة على الإساءة للدين الإسلامي، وهو ما أثار الكثير من الاشمئزاز في العالمين العربي والاسلامي، ذلك ان الإعلام المقصود خلط بين الدين وبين بعض من ينتمي لهذا الدين السماوي الذي اختير له ان يكون اخر الاديان لإنقاذ البشرية وهدايتها إلى الصراط المستقيم ونشر الاصلاح في شتى انحاء الكرة الارضية، فاستطاع ذلك الإعلام المشين من تشويه الصورة العربية ونشر «ثقافة الكارهين» في تلك المجتمعات لاهداف كانت مرسومة ومدروسة ومخططا لها مسبقا.
واليوم يتكرر السيناريو نفسه مع الإعلام المصري الذي يعيش ثورة طال امدها من بين ثورات الربيع العربي والتي بدأت بثورة مباركة في الخامس والعشرين من يناير 2011 حتى تحولت فصولها لتسير نحو نفق مظلم ولا نعرف كيف تسير، والى أين تسير، ومتى سيحل فيها الاستقرار الذي يبدو فيه ان الشعب المصري قد يمر بمرحلة غير محمودة العواقب وقد لا ينعم بالهدوء والطمأنينة في ظروف انقلابية ستكون متكررة على مدى السنوات القليلة المقبلة، وما نتمناه الا يحدث كل هذا الغثيان لهذا الشعب البطل بعد ان ذاق ويلات الحروب ضد اعداء الامة العربية على مدى اكثر من نصف قرن.
الإعلام المصري بعد عزل الرئيس الدكتور محمد مرسي والمنتخب شرعيا لم يعد قادرا السير بمنهج إعلام ثورة 25 ينايرب أو إعلام العام نفسه الذي مضى بعد الانتخابات الديموقراطية 2012، وواضح انه لم يعد اليوم إعلاما مخيرا بل مسيرا بنسبة تصل إلى نسبة مئة في المئة، فقد تحول الإعلام المصري بعد ثورة 25 يناير 2011 إلى إعلام متحفظ تارة وإعلام متردد تارة اخرى، وفي 30 يونيو 2013 م تحول إلى «إعلام شبيحة» كما يقال عنه، فهو لم يعد بالإعلام الذي يريد الهدوء والاستقرا لمصر، ولا هو بالإعلام المحايد والنزيه والموضوعي الذي يسعى لجمع كل الطوائف والاحزاب المصرية على قلب واحد، فتحول إلى إعلام ينشر الكراهية والبغضاء ويبث روح الفتن والطائفية بين الشعب الواحد.
الإعلام المصري اليوم – ونقولها بكل أسف – تحول إلى إعلام منافق حتى النخاع، ولهذا فهو مطالب بتغيير الصورة ودعوة الشعب إلى الوحدة الوطنية ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية بكل شجاعة، فبعد عزل الرئيس المنتخب تحول هذا الإعلام إلى مؤسسة لم تعد تعترف الا بما يملى عليها من املاءات واوامر وبيانات عسكرية فقط ودون اعطاء أي اعتبار للراي الآخر!
نتمنى لمصر الحبيبة كل الخير، فمصر غالية علينا جميعا، وأرض الكنانة لا تستحق كل هذا العذاب، ولابد أن تنعم مصر بالأمن والأمان كما كانت في السابق، وفي الوقت نفسه لابد للإعلام المصري أيضا أن يتحمل مسؤولياته تجاه هذه الأحداث من اجل لم شمل هذا الشعب الذي عليه ان يتحد في مثل هذه الأزمات بعيدا عن الحساسيات والتشنجات وتنفيذ الأوامر العسكرية والتي يلعب فيها الإعلام دورا مهما في إعادة بناء البيت المصري من جديد بدلا من نشر ثقافة الكراهية!!
الإعلام رسالة قبل كل شيء، ومتى ما تحول هذا الإعلام إلى نشر ثقافة تقوم على تشويه الصورة لابناء الشعب الواحد فستكون رسالته في المقابل مكروهة ومرفوضة لدى المتلقي، بل هي المتسببة في استمرار الانتكاسة!!
وما يؤكد صحة كلامنا هذا ما ذهب اليه احد المفكرين المصريين منددا بنشر هذه الثقافة التي قلبت الموازين رأسا على عقب، حيث كتب قبل ايام قائلا:
أقف مشدوها غير قادر على انتقاء تعبيرات مناسبة أصف بها حجم الكراهية المتفشية في أوصال الجسد المصري والمعبرة عن نفسها بقوة على مدى أسبوع كامل بفيديوهات قتل وحشي وسحل وتمزيق أجساد وانتهاك حرمات.
إعلاميون وقادة أمنيون وسياسيون وشباب ثائرون قد تتسبب كلماتهم التي تقطر شماتة وتحض على كراهية عنصرية، قد تتسبب في جنوح كثير من شباب التيار الإسلامي إلى عنف غير مسبوق لمجرد استشعارهم أن انتقاما مريعا ينتظرهم وأن مجتمعا بوليسيا جديدا سيقمع إرادتهم. لن نختلف كثيرا على حجم وجسامة الأخطاء التي ارتكبها النظام على مدى عام كامل، لكنها لن تكون مبررا أبدا لتأصيل «ثقافة الكراهية» بين المصريين وقتل البقية الباقية.. أو إسكات نبرة التعقل الداعية إلى تضييق دائرة الثأر.. نحن لسنا بصدد الحديث عن «جرائم الرايخ الثالث» مثلا لنعطي أنفسنا الحق بحديث مفعم بالكراهية والرغبة في الإجهاز على ما تبقى من الإخوان بهذه الطريقة.
المحزن في الامر ان التوسع في نشر ثقافة الكراهية عبر الفضائيات المصرية سواء كانت الخاصة او الحكومية منها بدأ يكبر ويكبر لدرجة انك تشاهد محطات للشتائم والطعن في بعض شرائح الشعب المصري وكأن هؤلاء لا يمثلون طبقة مهمة من طبقاته.
من هنا:
لمن لا يفهم رسالة الإعلام عليه ان يعي أن الإعلام له رسالة تنويرية توعوية توجيهية إرشادية لخدمة الشعب بعيدا عن نشر الكراهية بين افراد المجتمع الواحد. ذلك ان الإعلام يلعب دوراً مهما ومؤثرا في تكوين أفكار الشعوب والتحكم في سلوكياتها وأفكارها.
*
كلمة أخيرة:
قال مارتن لوثر كنغ: «العنصرية عداوة مطلقة، لا تدعو فقط إلى فصل الأجساد، بل أيضا الذكاء والأرواح». وقال آخر: «التعصب القائم على الاحتقار والكراهية، يجد مصدره دائما فى اليقين بامتلاك أحادى للحقيقة». 
* رئيس تحرير مجلة التعاون بمجلس التعاون الخليجي

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.