أقلامهم

خلود الخميس: فئة غير محددي الجنسية لن أوجه لها اللوم وإن أخطأتْ، لأنها مسؤولية الحكومة عما آلت إليه من حنق على المجتمع المرفّه.

جرائم قتل.. ولكن الأمن ليس أولوية!
بقلم: خلود الخميس
بين كل فترات متقاربة يهتز «الكم مائة ألف مواطن» في الكويت بسبب جريمة قتل ما، سواء بين مواطنين أو بينهم وبين وافدين، أو غير محددي الجنسية.
والفئة الأخيرة سأستبعدها هنا من التقريع ولن أوجه لها لوما أبدا، وإن أخطأتْ، لأن مسؤولية الحكومة كاملة عما آلت إليه من حنق على المجتمع المرفه وهي جائعة ولا أبالغ هنا، بغض النظر عن كل ترهات اللجان السابقة واللاحقة لحل مشكلة «البدون» ما دامت المشكلة قائمة في البلاد، فالإدارة التنفيذية هي المسؤولة عنها!
الغريب أن هذه الجرائم تحدث في وضح الازدحام داخل مجمعات تسوق كبرى معروفة لا أزقة وطرق خلفية أو أماكن مشبوهة، وبين شباب طبيعيين لا مروجي خمور ومخدرات ومدمنين.
دماء في الأسواق التي يفترض بها أن تكون مكانا للتسلية والراحة وقضاء وقت جميل، صارت مسارح للجرائم كل يوم وآخر يتخذها موظفو الأدلة الجنائية مقر عمل!
وأيام نهاية الأسبوع يتوقع للعائلات فيها نصيب من اللقاءات الدورية الرائقة، والاسترخاء وتبادل الأحداث والمعلومات الفائتة من بقيته، والتواد والتراحم والبر والصلة، لا المخافر والمستشفيات والمقابر ومجالس العزاء!
ما السبب في ظاهرة القتل بين الشباب الصغير في السن ولأسباب واهية؟!
ما سبب غضب الشباب الذي يفقدهم السيطرة على سلوكياتهم لدرجة أنهم ما عادوا يكتفون بالتشابك بالأيدي واللكم والشتم القبيح، وصاروا يتقاتلون بأسلحة بيضاء وأسلحة صيد نارية ولاينتهي العراك إلا بكفن؟!
من المسؤول عن الانفلات الأمني في الكويت؟!
وحقيقة هناك سؤال أشمل وأهم يجب الإجابة عنه لنتمكن من الوقوف على إجابات كل الأسئلة الفرعية الأخرى: ما الذي يحدث لثقافة المجتمع الكويتي، متى تحولت، كيف أصابها التغريب، من هم المذنبون؟!
بدءاً، لنطرح حقيقة، سلكت الدولة معها سلوك النعام، أن الشباب، بناء على الأرقام الرسمية المعلنة يبلغون 61% من تعداد الشعب وتم استحداث وزارة على شرفهم، هم الفئة الأكثر فراغا، الأشد غضبا وإحباطا، وأكبر دليل لا يحتاج قياسه بأموال ودراسات واستطلاعات: خروجهم للشارع استجابة لدعوة من حساب مجهول في «تويتر» للتعبير عن رفضهم لواقعهم!
مصيبة كبيرة وقنبلة موقوتة، لم يقف مسؤول في هذا الوطن ليسأل: كيف حدث هذا، لم يتوقف ذو فطنة ويتراجع للخلف ويتحمل مسؤولية، ولو أخلاقية وسياسية، لتظاهر أكثر من مائة ألف من الشعب، أغلبهم من الشباب اكتفى الجميع بلا استثناء بحالة الإنكار، وتشديد القبضة الأمنية، والتنكيل الوظيفي، والتضييق عليهم في أرزاقهم، وسلوكيات لا يلجأ اليها إلا الضعيف والبدائي!
ناهيك عن اعتبارهم من «البدون» و«كويتيين» غير أصليين» وأوصاف ما أنزل الله بها من سلطان ثم يقولون نريد وطنا!
الوطن، لا يقوم على المصطلحات السابقة، الوطن يقوم على: العدل بين الناس ولو كانوا ذوي قربى، الحرية المسؤولة، المساواة كما أمر الله بين الناس أجمعين بحقوق الحياة الكريمة، ما يدعون إليه لا يدعم استمرار وطن، بل ينادي بجريمة مثل جرائم المجمعات: قتل الوطن بسبب غضب فئة من فئة!
لذا يجب حل جذور مشكلة الغضب لدى الشباب، الأصل في إدارتهم خدمتهم، وليس إنشاء وزارة أو هيئة أو مؤتمر وحملات علاقات عامة وتنفيع مجموعة لشراء ولاءات على حساب خسارة احترام الأغلبية!
الأصل تغيير منهجي مبرمج، بمنظومة كاملة في إدارة الدولة عبر مؤسساتها المختلفة المتكاملة ومؤسسات المجتمع المدني، باتجاه تقديم الأفضل باستخدام الموارد المتاحة والممكنة بأقصى حنكة ورشد، والموارد كثيرة لولا شح الأمانة والإخلاص، وفيض الرشاوى والاستهتار بالمال العام، والسفه في الإنفاق.
فلا نعجب من التعامل مع الشباب لأن شأنهم شأن كل شرائح المجتمع المركونة في زوايا هذا الوطن إلى إشعار آخر، حتى زوال الفكر الذي يدير بمنهج لا يصلح لهذا الزمان والعقول والبشر.
الذي يحدث لثقافة المجتمع الكويتي هو تغريب ممنهج عبر ثلاثة أساسيات تتفرع منها البقية، خلل التركيبة السكانية، تسطيح المناهج الدراسية «وفدنة» الإعلام، ومنها تتفرع بقية المشاكل:
1 ـ خلل التركيبة السكانية لصالح جالبي العمالة الهامشية بمقابل الأموال وتسييبها في البلاد لتعيث فيها بسلوكياتها الشاذة بين إفساد أخلاقي ودعم الرشوة بجلب الأقرباء عبر الكفيل الكويتي منزوع الذمة والوطنية.
2 ـ تمييع وتسطيح أغلب المناهج العلمية في المراحل الاثنتي عشرة للتعليم، وهذه يجب أن تكون أولوية حقيقية لمن أراد إصلاحا لا «تموضع إعلامي» وتصريحات حول نية التغيير بينما «القرعة ترعى» في عقول النشء!
3 ـ «وفدنة» الإعلام، ويجلب الوافدون مشاكل بيئاتهم وأساليب تفكير مجتمعاتهم، وثقافة التعامل مع الخلافات بين حكومتهم وشعبها، لمجتمعنا المختلف تماما، والمثير للشفقة أن المؤسسات الإعلامية تغش في النسبة القانونية التي أقرتها الدولة للعمالة الوطنية، رغم أنها لا تذكر وتُعين ورقيا مواطنين في غير مواقع اتخاذ القرار للإبقاء برقم بسيط لذر الملح بأعين إدعاءاتنا، ما أدى إلى نشر أفكار دخيلة على الثقافة الكويتية مثلا لا حصرا: استسهال الفاحشة المرئية والمقروءة بعذر الانفتاح ابتذال فكرة التسامح مع الآخر والحرية لتصبح تفريطا بالثوابت المجتمعية، إن الإعلام بؤرة التغريب.
4 ـ وهذا السبب ظهر وانتشر مؤخرا: الوصاية على حرية إبداء الرأي للشباب خلق منهم جيلا يكتم رفضه المشروع له أن يُبدى، فله الحق بالتعبير والإعلان عما في رأسه حتى لا تتراكم الفكرة السلبية وتتحول لجرائم، وتضج الدولة بسكان السجون، بدلا من الواقفين فوق منصات المتفوقين والحاصدين لجوائز الابتكار والاختراع والتميز!
ما سبق، رؤوس أقلام لمن يريد الإصلاح فعلا، لا الاجترار والاعتماد على الوقت لينسى المواطن، وكلي أمل ببقية خير عند البعض، وقبلها ثقة بالله أنها ستجد متخذ قرار حاذقا يحمل تنفيذها على عاتقه وإن ثقلت، فالرحلة الجميلة تبدأ بجهد تصفح مواقع البحث عن الأماكن، ثم اختيار المناسب ثم الحجز والسفر.
كلنا يعرف حكاية القشة وظهر البعير، ويستشهد بالقطرة التي فاضت بعدها كأس الماء، ولكن قلة من تتعظ !