أقلامهم

يوسف الشهاب: الجريمة اليوم بكل صورها تحوّلت إلى بطولة ومباهاة من دون اعتبار حتى لسمعة العائلة.

شرباكة 
خرجوا عن الطاعة.. وضاعوا؟!
الاسم: يوسف الشهاب
ما دمنا على قناعة بأن لكل زمان دولة ورجالا، فإن قناعتنا يجب أن تكون أيضاً بأن لكل زمان رجاله وأعمالهم، فالأمس البعيد الذي عاش فيه الآباء والأجداد غير زماننا الذي نحن فيه بكل إمكاناته وأجوائه وطبائع وسلوك الناس فيه، علينا أن نؤمن بذلك ونعترف بأن الحياة برحلة سيرها الذي لا يتوقف، أشبه بفيلم سينمائي متتابع في فصوله ومشاهده وحركة الممثلين فيه، وأيضاً مشاهد الممثلات -والعياذ بالله- فيه.
رجال الأمس صنعوا دولة اجتماعية اقتصادية تزخر بالعطاء وبذل الجهد ومواجهة التحديات والعقبات وحكايات البحر وأهواله ومعاناة البحار فيه بين الغوص والسفر تعطينا صورة من صور الرجال الذين آمنوا بربهم فزادهم إيماناً وتمسكاً في تراب هذا الوطن، رغم ما كان فيه من شظف عيش وفاقة، تكاد تطغى على كل وجوه الحياة الاجتماعية والإنسانية فوق هذه الأرض. هذا إذا استثنينا فزعة الجار لجاره ووقوف الإنسان تجاه أخيه الإنسان بالمحن والخطوب.
الحياة القديمة لم تكن تتوافر فيها وسائل الرفاهية التي نراها اليوم بكل صورها وأشكالها، والمال هو الآخر كان عزيزاً، فلا نفط ولا بورصة ولا استثمار ولا سيارات فارهة ومجمعات تجارية فيها.. خزّني واخزّك وبعدها أذبحك. كل هذه لم تكن متوافرة عند رجال الأمس، خاصة جانب الرفاهية بالمعيشة، لكنهم على أي حال كانوا أكثر سعادة من جيلنا، لا سكر، لا ضغط، لا ضيقة خلق من الفساد، النفوس كانت هادئة مطمئنة، والثقة متبادلة في الحياة العامة، صور إيجابية كثيرة كان من صنع وإبداعات رجال أدّوا ما عاهدوا الله عليه، وبنوا وطناً عزيزاً وقوياً في كل جوانبه، بنوا المؤسسات الاقتصادية، وكانوا مثالاً ونموذجاً لمعادن نادرة من الرجال.
الزمان يتحرك من جيل إلى جيل، وهو -أي الزمان- ثابت في طبيعته، فلا الليل سابق النهار ولا النهار سابق الليل، الناس وحدهم هم الذين تغيروا، خاصة أولئك الشباب الذين انجرفوا وراء ماديات الحياة وإغراءاتها، خاصة الشباب، بل تلك الفئة التي نست أو تناست ما كان عليه آباؤها وأجدادها في الأمس من حسن الخلق ومن سلوك وتصرفات أعطتهم أوسمة على صدق التعامل ورجولة المواقف وتراثاً قيماً من الشعور بالواجب الأخلاقي والإنساني.
النفس البشرية تسعى دائماً نحو التطلع إلى ما يحقق لها رغباتها وفق ما هو متوافر من مدنية ووسائل ترفيه وغيرها، وهو أمر لا خلاف عليه، مادام في إطار العرف الاجتماعي الرفيع في آدابه وسلوكه، لكن الأمر عند بعض الشباب، وحتى بعض الرجال والإناث، صار ينحو منحى غريباً على مجتمعنا ومنبوذاً من قوانين الحياة وسلوكياتها، فالجرائم التي نراها بين أعمار متباينة والسرقات والتطاول على هيبة الدولة ورجال الأمن وكسر كل قيم القوانين واللامبالاة في السلوك غير الآدمي، كلها ليست بالتأكيد من نتاج مدرسة رجال الأمس، الذين تركوا لنا وطناً ومجتمعاً كان ملء السمع والبصر في تواده وتراحمه، فإذا بأبناء هذا الجيل، بعضهم، ولا أقول جميعهم، قد خرجوا عن طاعة تلك المدرسة الاجتماعية التي علّمتنا معنى الاحترام ومعنى التعامل، خرجوا عن كل الأصول والأعراف بتصرفات ربما هي نتاج شعور بالنقص أو الرغبة في كسب الأضواء حتى بالشر أو نوازع شيطانية طغت على كل مفاهيم الحياة لديهم.
***
• نغزة
الجريمة اليوم بكل صورها تحوّلت إلى بطولة ومباهاة من دون اعتبار حتى لسمعة العائلة. بالأمس كان الرجل يحافظ على سمعته حتى وإن أدى الأمر إلى بيع منزله لتسديد ديون عليه، وا أسفاه، أولئك رجال.. وبعض جيل اليوم رجال.. طال عمرك.