أقلامهم

بدر الديحاني: لا يمكن تفسير تضخم “الباب الأول” من الميزانية من خلال التركيز على رواتب صغار الموظفين.

اختلالات الموازنة العامة و«الباب الأول» 
كتب المقال: د. بدر الديحاني
تعاني الموازنة العامة للدولة اختلالات هيكلية، ومن المتوقع، كما تحذر منظمات دولية كصندوق النقد والبنك الدوليين، أن تواجه عجزاً فعلياً في المستقبل القريب خصوصاً في حالة انخفاض أسعار النفط كما هو متوقع خلال السنوات القليلة القادمة، وهو الأمر الذي سيجعل الحكومة غير قادرة على دفع رواتب موظفيها.
ولا خلاف هنا حول وجود اختلالات في الموازنة العامة، ولكن الخلاف حول تشخيص المشكلة الرئيسة التي أدت إلى حدوث هذه الاختلالات وطرق علاجها، حيث إن مسؤولي صندوق النقد والبنك الدوليين وبعض الآراء المحلية يعزون ذلك إلى تضخم “الباب الأول” فقط (الرواتب والأجور والبدلات والمكافآت) الذي من الواضح أنه متضخم فعلاً.
بيد أن “الباب الأول” ليس الوحيد المتضخم في الميزانية، فجميع الأبواب الأخرى دون استثناء متضخمة وبالذات “الباب الرابع” المتعلق بالمشاريع الإنشائية والصيانة والاستملاكات العامة، لكنهم يغضون النظر عنه دائماً، وكأنه غير موجود في الميزانية أصلاً.
أما بالنسبة إلى الحلول التي يطرحونها فإنها لا تخرج عن “روشتة” صندوق النقد الدولي المعروفة، والتي تتضمن عادة تخفيض الرواتب والأجور وإلغاء الدعم، ثم فرض رسوم جديدة على السلع والخدمات، بينما يتجنبون الحديث عن إعادة تسعير أملاك الدولة وأراضيها أو فرض ضرائب على أرباح المؤسسات والشركات الخاصة، بل يتجاهلون سوء إدارة المالية العامة للدولة من حيث أولوياتها وتوجهاتها التي تعتبر السبب الرئيس في حدوث الاختلالات الهيكلية، وتتطلب إصلاحاً جذرياً مبنياً على مبدأ عدالة توزيع الثروة.
وعندما يتحدثون عن تضخم “الباب الأول” فإن جُل حديثهم ينصبّ على ضرورة تخفيض رواتب صغار الموظفين وعدم استحقاقهم لزيادات تتناسب مع التضخم النقدي وغلاء المعيشة رغم أن الجزء الأكبر منه، أي “الباب الأول”، يذهب للبدلات والمكافآت والمزايا التي تمنح لكبار المسؤولين الحكوميين ولأعضاء مجالس إدارات المؤسسات والهيئات والشركات الحكومية الذين يعينون بشكل شبه دائم رغم شغلهم لوظائف قيادية برواتب عالية، ناهيكم عن مكافآت ومزايا أصحاب الدرجات القيادية الذين لا يمارسون أعمالاً تنفيذية وبعضهم تُنشأ لهم مكاتب وأجهزة حكومية تكلف ملايين الدنانير سنوياً، رغم أنه لا حاجة فعلية أو تنموية إليها، والتي من ضمنها، على سبيل المثال لا الحصر، جهاز “الشكاوى” الذي أنشئ بداية التسعينيات ثم غُيّر مسماه في ما بعد فأصبح يسمى “خدمة المواطن” ثم “متابعة الأداء الحكومي”!
علاوة على ذلك، فإنه لا يمكن تفسير تضخم “الباب الأول” من الميزانية من خلال التركيز على رواتب صغار الموظفين وتجاهل الخلل في تركيبة القوى العاملة وطريقة تسعير أملاك الدولة وأراضيها والقرارات الحكومية الخاطئة بمنح كوادر مالية ضخمة لبعض قطاعات الدولة لأسباب سياسية بحتة، ومن دون أي مبررات علمية وبتكلفة مالية عالية، والتي تعتبر جميعها أسباباً رئيسة لتضخم باب الرواتب والأجور والبدلات والمكافآت!