أقلامهم

وليد الرجيب: هناك صورة نمطية للدول الاشتراكية مفادها الفقر والحاجة والطوابير.

أصبوحة / المونودراما
وليد الرجيب
زارنا في رابطة الأدباء في الكويت أخوة أفاضل من إمارة الفجيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وشرحوا كيف استطاعوا تأسيس حركة ثقافية بشكل عصامي ومنذ أن كانوا في المدارس المتوسطة، حيث كانوا يؤلفون ويمثلون مسرحيات، ثم بنوا خشبة مسرح إسمنتية في أحد المقاهي تحول بعد سنوات إلى مركز ثقافي تشرف عليه هيئة للثقافة والإعلام، ثم بادروا بمغامرة شجاعة لإقامة مهرجان سنوي على مستوى العالم لفن المونودراما، ونجحوا بإقامة خمس دورات حتى الآن، وهو أمر يجب أن يقدروا عليه لأنهم رواد في هذا المجال الصعب في إمارتهم.
لكن عندما شرح رئيس المهرجان فن المونودراما قال في ما معناه: «ان فن المونودراما أو المسرح الفقير نشأ في الدول الاشتراكية، بسبب قلة الموارد في هذه الدول وعدم اهتمام الدول الاشتراكية بالمسرح» أو هكذا فهمت من خلال شرحه، وقد كنت أنوي التعقيب لولا أني لاحظت أن الجلسة لا تتضمن مداخلات أو أسئلة.
قد لا أتفق مع رئيس مهرجان المونودراما في تحليله أو في شرح تاريخ هذا الفن الجميل والصعب، لكنه من المعروف أن هذا الفن هو من أشكال المسرح التجريبي الذي يقوم على ممثل واحد فقط ومن هنا تأتي صعوبة كتابته وتمثيله وإخراجه، وهو من الفنون القديمة حيث اعتبر بعض الباحثين أن الراوي في التراث الإنساني هو شكل من أشكال المونودراما، كما كان هذا الفن موجوداً عند الإغريق ثم الرومان مروراً بالعصر الوسيط وعصر النهضة، ومسرحيات شكسبير مثل «هاملت» و«الملك لير»، حتى جاء الفيلسوف الفرنسي وأبو الحركة الرومانسية «جان جاك روسو» عام 1760 بمسرحية «بجماليون» التي اعتبرت البداية الصحيحة لفن المونودراما بشروطه الفنية.
إذاً البدايات إذا تجاوزنا – التراث القديم – كانت في القرن الثامن عشر، أي قبل قيام الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية بأكثر من قرنين، كما أن الحديث عن المسرح الفقير لا يعني فقر الإمكانات المادية أو التجهيزات المسرحية، وهو أيضاً شكل من الأشكال التجريبية للمسرح حيث يفضل المخرج المسرحي اختزال الديكور بمصطبة أو سلم أو كرسي قد يكون مكسوراً… الخ.
أما الحديث عن أن الدول الاشتراكية لم تهتم بفن المسرح، فهو حديث غير دقيق إن لم نقل غير حقيقي، فكل الفنون نهضت بقفزات كبيرة في ظل النظام الاشتراكي، ففي المدن السوفياتية على سبيل المثال تستطيع في أي وقت حضور أكثر من حفل «كونسرت» موسيقي أو عمل مسرحي أو عمل أوبرالي، سواء في الفترات الصباحية أو المسائية لدرجة أنك تحتار أين تذهب، كما بدأ وتطور فن السينما الممزوج بالمسرح، بحيث أن المشاهد لا يعرف إن كان الممثل على خشبة المسرح أم في الشاشة الممتدة على كل حوائط الصالة، وقد حضرت إحداها أظن في ألمانيا الشرقية أم في براغ، وكانت تسمى «لاترنا ماجيكا»، وذلك قبل أن تكتشف الدول الرأسمالية هذا الفن العجيب.
ويبدو أن هناك صورة نمطية للدول الاشتراكية مفادها الفقر والحاجة والطوابير، وهي الدعاية التي روجتها الدول الرأسمالية على نطاق واسع، مثلما روجت حرمان المؤمنين من تأدية شعائرهم الدينية في ظل النظام الاشتراكي، بينما من المعروف أن الاتحاد السوفياتي مثلاً قضى على الأمية في أربعينات القرن الماضي، كما لم يعد هناك مواطن ليس لديه سكن أو عمل وكل ذلك مجان على حساب الدولة دون أي التزام من المواطن سوى واجب العمل والانتاج، وهذا ما شاهدته بأم عيني في عدد من البلدان الاشتراكية.
بل الآن وبعد تحول هذه الدول إلى النظام الرأسمالي، أصبح هناك بطالة وفقر وأمية، ولذا تشعر شعوب هذه البلدان بالحنين للنظام الاشتراكي حيث الرخاء والتقدم العلمي والمواصلات المتطورة بسعر رمزي، وانتشار المتاحف ودور عروض الفنون التشكيلية مثل «الأرميتاج» ومتحف موسكو إضافة إلى بيوت الأدباء والموسيقيين التي تحولت إلى متاحف، وكذلك المكتبات العامة الضخمة والكتب التي تباع بقليل من «الكوبيكات».