أقلامهم

محمد العوضي.. يكتب: «داعشي»… بين راقصة باليه وغواص إيطالي!

كنت بجوار هيثم الشايع في ديوانهم العامر، وكان الحديث يدور عن صورة العالم الإسلامي الشائهة وأثرها على أبنائنا فكريا، وعلى الغرب والشرق في مواقفهم من الإسلام كعقيدة ومن المسلمين جملة.
في هذه الأثناء دخل ضيفان الديوان: خالد العصيمي وبصحبته رجل كأنه رياضي، أحمر البشرة… أشقر الشعر… عرفنا أنه مدرب غوص حر إيطالي يسمى جوليو جوليني Giulio Golini من مدينة فلورنس، فقال العصيمي إن الإيطالي منزعج جدا من أحكام الإسلام الدموية المتوحشة!!
قلت له فليشرح رأيه أكثر، قال: إنه يتساءل أليست «داعش» تطبق الإسلام العملي حرفياً ؟!
قلت: في البداية يجب أن نقرر حقيقة من خلال هذا السؤال:
هل توجد دولة لا يوجد فيها جيش وسلاح وجهاز أمن وسجون ومخافر وقوانين جزاء وعقوبات؟ وبعد الحوار بينت أننا نعيش بين انحرافين، الأول يحاول إلغاء الجهاد أو تبخير محتواه هزيمة نفسية ومجاملة للحداثة الغربية، والثاني يطبق أحكام الجهاد بجهل مطبق، وبردود أفعال عنيفة لواقع ظالم مجرم يشترك في تكريسه الطغيان الغربي المجرم، وعملاؤه من عبيد الشرق.
ثم فرقت للإيطالي بين الفتح الإسلامي المسلح وبين نشر العقيدة بالسيف، فالأول حصل بآدابه وأحكامه وشروطه، والثاني لم يحصل ولا يجوز شرعاً أن يحصل.
وأحببت أن أعرض الفكرة بطريقة أخرى، فسألت الإيطالي جوليو: هل تعرف الإيطالي الفريدو مايوليز وزير البرلمان الدولي للشؤون الشرق أوسطية الذي أسلم؟ وطلبت من خالد العصيمي أن يفتح «اليوتيوب» ويدخل على حواري معه في برنامج (بيني وبينكم) على «الراي» ليستمع إلى فهمه للإسلام وقدرته على الفرز بين واقع المسلمين بكل ما فيه من تناقضات، والإسلام في مبادئه المجردة الخالصة. ولما بحث، قال الإيطالي العجيب «إن حوارك معه موجود في مواقع إيطاليه عديدة».
قلت: خذ هذا المثل الذي يلخص جوهر الفكر الذي يحل إشكالية سؤالك، راقصة الباليه السويسرية الشابة (يانينا) أسلمت وارتدت الحجاب والتزمت بأحكام الشريعة وقالت «وجدت ذاتي على سجادة الصلاة وليس أمام الجماهير على خشبة المسرح». وتزوجت بشاب مغربي حافظ للقرآن.
في حواري معها ببرنامج «وياكم» في رمضان الماضي سألتها: كيف استطعت أن تتجاوزي واقع المسلمين البائس السيئ الدموي، الذي أصبح حقلا للتجارب، وتموج فيه الفتن، وتنزف فيه الدماء، هذه الصورة زهدت بعض المسلمين في واقعهم وربما أوقعتهم في شك بالإسلام !!
كيف تجاوزت هذه المحنة بين النظرية والتطبيق؟ أجابت باقتضاب وتركيز: قرأت القرآن وسنة النبي عليه السلام.
هكذا استطاعت سويسرية كانت راقصة باليه أن تستوعب الإسلام من مصادره وأن تفصل بين الأصل النقي، وممارسات المسلمين الخاطئة، فالواقع ليس مصدراً للتشريع وإنما محل الأحكام التي هي الميزان.
وهذا هو الوعي الذي يحل اللغز ويفك الطلاسم لفتاة من بلد احتضنت فيه جنيف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي مدينته زيورخ تصطف عمالقة البنوك ذات الطابع الفريد في التأثير والتشغيل، ويزهو في عاصمته «بيرن» برلمانه العريق، وتسود فيه عبقرية التنظيم الإداري … كيف يزهدون بمنظومتهم العلمانية القائمة على الحرية الفردية ونسبانية القيم، ويسلمون بدين قوم واقعهم المزري، تبرز فيه «داعش» باعتبارها التطبيق العملي للدين الإسلامي… وحاشاه!
باختصار حكّموا العقيدة واجعلوها ميزاناً للواقع لا العكس.
بالله عليكم أليس من المفارقات أن تكون راقصة بالية غربية حديثة العهد بالإسلام أكثر وعياً بحقائق الإسلام وأباطيل خصومه من العربي العلماني و«الداعشي» على السواء؟!
محمد العوضي