كتاب سبر

كُليمات عن الهدف من دراسة التاريخ

إن التاريخ باعتباره علم يدرس الأحداث والأشخاص نقد وتحليل ، هو خير معين لبناء مستقبل أفضل بل قل إن شئت لبناء حضارة أقوى وأمنع ، فهو – أي علم التاريخ – ما يكشف الستار عن المشكلات وكيفية التعاطي  معها بآوانها ، ثم تقييم هذه التجارب الكثيرة واستخلاص نتائج قد تصبح قواعد راسخة في عصرنا هذا ، لذلك فهو يعتبر أصدق من يخبرك عن الجذور والقواعد حتى تعرف ما تستند عليه وتتكأ . 
وهذا العلم إن اتقنته ونبذت عنه الخزعبلات والبطولات المزيفة والتضخيمات المفبركة ؛ يحيي فيك التفاؤل ويقودك لصناعة المجد فهو الدليل لبناء جيل يتعرف على ما كان قبله حتى يرسم ويعمل لما يكون في حياته ومن بعده .
قيمة هذا العلم تتضح بشكل كبير بمجالات كثيرة أهمها :
1- قيمته في تربية الفرد :
فدراسة هذا العلم تنشط فكر الفرد وتشحذ ذهنه وتعمل على توسيع مداركه ، فهي كالرياضة التي يمارسها الفرد ليبني بها فوزه وانتصاره على نفسه المقلدة وواقعه الضرير  ، مستعين بذلك على فهمه وتقديره لتجارب السابقين ، فخير البشر من استفاد من اخطاء من سبقه واتعظ ، وأحذقهم من طور نجاحات من سبقه وابتكر .
فقد ذهب بعضهم في تعريف هذه القيمة إلى أن هناك تماثل تام بين حياة الفرد وتاريخ الإنسانية ، فالإنسان هو العالم الأصغر ، والإنسانية هي العالم الأكبر ، لذلك يستطيع الفرد عن طريق دراسة التاريخ أن يدرك عن نفسه وعن علاقته بغيره الشيء الكثير (1) علم التاريخ د.شوقي الجمل ص 77
بمعنى أن الباحث الدارس للتاريخ يستطيع إن اراد ان يسمو بهمته وأهدافه بل وصناعة شخصيته ، كل ذلك على فضائل السابقين من خلال دراسة حالاتهم وأحوالهم سواء أفراد أو مجتمعات ( شعوب ودول ) .
2- أما قيمته الثانيه فهي مع السياسة وأحداثها :
السياسة المنظمة تعتمد على التاريخ بشكل كبير حتى تتجاوز الأخطاء المتوقعة ، لوجود حالات سابقة مشابهة أو قريبة نوعاً ما في تاريخ الأمم والدول السابقة ، فالدول والحكومات تحتاج التاريخ لاثبات تواجدها وشرعية حكمها حتى تطيل من اعمارها كإمتداد لاسلافها .
قال جواد بولس : (ان التاريخ خزان كبير للتجارب المتراكمة ولأنه كذلك فهو مدرسة سياسية حقيقية ).
فالسياسي الفطن هو من يجتهد لامتلاك هذا المستودع أو الخزانة التاريخية فهي تمثل خارطة طريق لتحقيق مبتغاه السياسي من خلال تعرفه على تاريخ شعب معين ، بثقافة معينة ، و بتعدده الطائفي وأفكاره المختلفة ، حتى يتسنى له الولوج والتمكن من نشر فكره وفكرته .
” ويمكن الانتفاع بالتاريخ في توسيع المدارك وتصويره الانصاف في الحكم ، ووضع الاشخاص والحوادث في وضعها الصحيح على مسرح الشؤون العامة ، وان التاريخ حري بأن يكسبها تصوراً صحيحاً لما هو عارض موقوف بالقياس إلى ما هو أبدي باق في حياة الإنسان ” ( هرنشو )
قيم دراسة هذا العلم كبيرة وكثيرة ، إلا أن اختيار هاتين القيمتين مناسب لهذه الأيام حيث أصبح الفرد والسياسة بمجتمعاتنا الحالية أكثر حرية مقارنة بالمجتمعات في أزمنة سابقة ليست ببعيدة ، لهذا حري بنا أن نجعل دراسة التاريخ سبيل لنا لتربية وتنشأة أفراد يقودون المجتمع ، وساسة يصنعون القرار من أجل المجتمع .
ما بعد النقطة :
التاريخ كالقلم الذي يكتب بدماء وأنفاس البشر ، لذلك فناؤه متعلق بفناء البشر .
بقلم /

فهد بن رشاش 
@bin_rshash