أقلامهم

ملهى أو مطعم.. مو شغلك!

غيرت وسائل التواصل الاجتماعي وجه البشرية، لكنها في مجتمعاتنا كشفت آفات خطيرة، وفضحت فكراً مشوشاً وممارسات متخلفة، كان أبشعها ما حدث بعد الجريمة الإرهابية في ملهى “رينا” بإسطنبول، الذي وقع ضحيته عشرات القتلى والجرحى أغلبيتهم من العرب، ومع أنين الأسر المفجوعة بأبنائها وبناتها كان آلاف الناشطين والمغردين يبحثون إن كان “رينا” ملهى ليلياً أو مطعماً! بينما كان البعض الآخر ينتظر فتاوى دينية ليبدي تعاطفه مع ضحايا هذه الجريمة أو يمتنع عن ذلك!

كل وكالات الأنباء ووسائل الإعلام المحترمة وذات المصداقية سمت موقع الجريمة بأنه “ملهى ليلي”، وهنا لا أعرف ما هو الاختلاف لدى العقول المريضة إذا كان مطعماً أو ملهى ليلياً، فكل المطاعم في تركيا تقدم المشروبات الكحولية على مدار العام، وحتى في شهر رمضان، وغالبيتها تقدم فقرات موسيقية حية أو مسجلة، ولا توجد لديهم ضوابط حفلات كما هو حالنا، فيمكن لأي زبون تطربه الموسيقى أن يبدي ما يريد من تمايل أو رقص، كما أن التسجيل الذي أرسلته الضحية المغربية داخل “رينا” قبل الهجوم بثوان يبين أن المكان كان مخصصاً للاحتفال والموسيقى بليلة رأس السنة.

وفي كل الأحوال، فإن طبيعة المكان ليست من شأننا أو بالعامية “موشغلك”، بل الجريمة البشعة التي وقعت فيه من إرهاب وقتل دون مبرر هي الحدث الذي يدمر بلداً كبيراً ومهماً مثل تركيا، انخفضت عملته بسبب الأعمال الإرهابية بنسبة 50 في المئة، وما يقوم به البعض حتى اليوم من وضع أدلة وصور على وسائل التواصل الاجتماعي، ليثبت أن المكان هو مطعم وليس ملهى ليلياً هو ضرب من الجنون والفكر الصحراوي الذي يدمر هذه الأمة، الوضع اختلف والحياة تغيرت ومتطلبات العصر تبدلت، لذا عليك أن تحترم خيارات الناس، كما يحترمون خياراتك ومعتقداتك، فلا يمكنك أن تمارس الحسبة أو “عصى الهيئة” عبر القارات، وتطارد الناس الذين اختاروا أن يكونوا في مكان ما ليلة رأس السنة.

الكارثة أن هؤلاء الذين يمارسون ملاحقة حريات الناس، لا ينظرون إلى واقعنا السيئ، والتحديات الخطيرة التي تواجهنا، فالعالم في جهد محموم لضرب عصب حياتنا المتمثل في النفط بكل الوسائل المتاحة لهم من علم وتكنولوجيا، ونحن حتى الآن لا نستطيع أن نصنع مصل شلل الأطفال، وها هي مصر رغم مرور أكثر من سبعة عقود من صناعة الدواء لديها تئن من نقص أدوية الأمراض الدائمة بعد أزمة الدولار، وأهل حلب وسورية يقتلون، وأمة الإسلام لا حول لها ولا قوة، وفكر محاربة “شجرة الميلاد” أنتج لنا “داعش” الذي جمع العالم على قتلنا، ورغم كل ذلك مازلنا، وخاصة في دول الخليج، نمارس نفس النهج المتشدد، ونتتبع حريات الناس والرقابة على خياراتهم، وكأننا فراشة تبحث عن النار لتحترق فيها.