أقلامهم

الدول العربية بين الاستعمار و التبعية

لم يعد أحد يجادل من العقلاء إلا قلة وكثرة من الحمقى والمغفلين في أن ما حدث بعد عقود الاحتلال والاستعمار المباشر من كل بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا للدول العربية وحتى الحرب العالمية الثانية لم يكن استقلالا وإنما احتلالا بالتبعية، والتبعية هنا تعني المجيء بأنظمة عربية تواصل تبعية الدول التي كانت محتلة للدول التي كانت تحتلها، ولأن الولايات المتحدة ورثت الوجود البريطاني فقد حلت محل بريطانيا عسكريا واقتصاديا وسياسيا وبقي الوجود الاستخباراتي البريطاني يلعب دورا كبيرا في المنطقة.

أما بالنسبة لفرنسا فقد بقيت بثقافتها وسياستها الفرنكفونية تدير الدول التي كانت تحتلها أو تؤثر بشكل مباشر في سياستها واقتصادها وثقافتها حتى أن دولا عربية مثل الجزائر يخاطب رئيسها شعبه باللغة الفرنسية، وقد كتبت عشرات الكتب عن دور المخابرات المركزية الأميركية سي آي إيه في صناعة مسلسل الانقلابات العسكرية في المنطقة واستبدال كثير من الأنظمة الديمقراطية أو المستقلة بأنظمة عسكرية أعادت معظم الدول التي قامت فيها إلى القرون الوسطى أو عصور ما قبل التاريخ وقضت على كل مظاهر الاستقلال والثقافة وحاربت التعليم والاستقلال الاقتصادي والسياسي واقامت أنظمة قمعية ديكتاتورية.

لكن مع التطور التكنولوجي والمعلوماتي والثقافة العالمية لم تعد تجدي سياسة القمع والكبت والفساد والظلم التي ظلت الأنظمة الديكتاتورية تمارسها مع الشعوب العربية لذلك حينما بدأت الشعوب تستيقظ وتطالب بالحرية وإسقاط الأنظمة التابعة وقامت بها ثورات الربيع العربي مما يهدد مصالح الدول الغربية وينهي ولايتها على الدول العربية، لم تجد الدول الغربية بدا من إشعال الحروب في الدول التي قامت فيها الثورات مثل ليبيا واليمن وسوريا ثم تشجيع الانقلاب العسكري في مصر ودعمه لتأتي هذه الحروب والانقلابات العسكرية على الأخضر واليابس فتمنع الشعوب من أن تنال حريتها وتحافظ قدر استطاعتها على تلك الأنظمة التابعة أو تنتج أنظمة بديلة تبقي نفوذها وسيطرتها السياسية على المنطقة، فالمنطقة العربية دون نفط أو موارد أو أية امتيازات أخرى تحتل أهم موقع استراتيجي في العالم فهي تحتل قلب الكرة الأرضية وتبقى هي همزة الوصل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب ولا يمكن للدنيا أن تستقر في ظل عدم استقرار هذه المنطقة لذلك كانت هذه المنطقة على مدار التاريخ مطمعا لكل القوى الاستعمارية وحتى لا تفلت المنطقة من قبضة الغرب فأشعل الحروب بها وأعاد إنتاج مسلسل الانقلابات العسكرية وحكم العسكر حتى يعيدها مرة أخرى إلى حظيرته.

لكن المشكلة الاساسية هي كيف نجحت هذه القوى الاستعمارية في صناعة حكام وحكومات وجيوش من أبناء المنطقة تعمل لصالحها وتحقق مخططاتها ومطامعها وتعمل على تخريب الدول العربية وحرقها وتهجير شعوبها وتأخير أي محاولة للاصلاح أو البناء بها ؟ إذا نظرنا إلى صفحات التاريخ نجد أن هذا السيناريو تحقق كثيرا لكن في النهاية حينما تستيقظ الشعوب فإنها تستعيد سيادتها أما إذا بقيت نائمة فإن الجولة ستبقى للصوص والعصابات التي تحكم.