أقلامهم

إلى الرئيس ترامب مع التحية والحيرة والقلق

عاصفة التناقضات والاختراقات والمفاجآت التي حملت الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض يمكن أن تنحسر عن ربيع حقيقي يجدد حيوية المؤسسات الرئاسية في العالم، ويزرع أملاً مورقاً بدبلوماسية عالمية جديدة أكثر صراحة وواقعية، تضع سياسات دولية أكثر وضوحاً وتفهماً، ويمكن أن تنتهي إلى ما هو أسوأ من “الربيع العربي” على اتساع العالم، محركاً للفتنة، مكرساً للقهر، ومثيراً لأخطر أشكال التطرف وأكبر ساحاته.

الاختيار بين الاتجاهين يكاد يكون رهن شخصية الرئيس الأميركي وإدارته، الذي لا يحمل من دبلوماسية الرؤساء وتقاليد الرئاسات إلا الياقة البيضاء والرابطة الحمراء.

من هذه الحقيقة التي تجعل العالم يقف اليوم على رؤوس أفكاره، جاءت فكرة هذه الرسالة.

فخامة الرئيس…

أكتب إليك رغم علمي أنك لاتزال في نشوة التتويج والانشغالات الآنية، وأن هاتفك لا يكف عن الرنين، وأن كثيرين يخطبون ودّك بعدما أيقنوا أنك صرت في المكتب البيضاوي… أخاطبك لكي نضع بعض النقاط على الحروف، على أمل أن يصلك صدى ما نقول نحن في وطننا العربي الكبير.

لنا رأينا في شعارك “أميركا أولاً”، ولا نتهمك بالانعزالية، فنحن أيضاً نقول إن مصلحتنا الوطنية والقومية أولاً، لكننا نقولها انطلاقاً من حرصنا على بلادنا وعلى منطقتنا والعالم، لا لإثبات العداء لأيٍّ كان، أو لاستهداف جنسية أو دين.

سمعنا منك الكثير في حملتك الانتخابية. ومع اعتراضنا على معظم ما ورد في خطاباتك عن تقييمك لدول الخليج ورأيك في الإسلام وطبيعة التحالفات التي تنسجها بلادكم مع دول العالم والسكوت عن تفتيت أوروبا ونزعتكم الحمائية، فاعتقدنا أن ذلك من لزوم المعركة وموجبات الانتصار، يبدو أن النهج نفسه مستمر بعد تسلمك سدة الرئاسة، وهو ما يثير لدينا القلق والأسف.

على أي حال، نحن لسنا في مجال تقييم تجربة الشعب الأميركي الديمقراطية والتي وصلت إلى ذروة التسامح وقبول الآخر ثم تقلصت إلى نزعة عصبية رجعية مع وصولكم، ولا علاقة لنا بأموركم السيادية المتعلقة بالهجرة ومشروع أوباما الصحي والبيئة، إلخ… ما يهمنا هو كيف ستنعكس مواقفكم علينا كمسلمين وعرب وخليجيين.

نحن نعلم أنكم تركزون على “الإسلام المتطرف”، وأنكم تراجعتم عن موقفكم الأساسي القائل بـ”منع دخول المسلمين إلى أميركا حتى إشعار آخر”، فالتطرف نحن وإياكم شركاء في الحرب عليه، لكن ما فعلتموه خلال حملتكم الانتخابية هو أن خطابكم الشعبوي أطلق في الولايات المتحدة تياراً معادياً للإسلام كدين، وتسبب في موجة كراهية نعتقد أنها لن تنحسر في وقت قريب، وهو أمر يسيء إلى الملايين من مواطنيكم مثلما يسيء إلى جميع مسلمي العالم، ويسمم علاقات المسلمين مع شعبكم. وبالتوازي مع ذلك فإن مشروعكم لنقل السفارة الأميركية إلى القدس لا يتضمن استهتاراً بالفلسطينيين والعرب فحسب، بل بجميع المسلمين الذين يرونها مدينتهم المقدسة وعاصمة فلسطين، وتضربون عرض الحائط بالقرارات الدولية.

أما في موضوع العلاقة مع الخليج، فنحن نقدر التعديل الذي حصل على تصريحاتكم السابقة. وكنا ننتظر فعلاً أن نسمع منكم أنكم تحتفظون بالتحالفات والتعهدات إزاء دولنا. فنحن لسنا طلاب محاور للاعتداء على أحد، بل طلاب تحالف لمنع التدخل في شؤوننا والتعدي على حدودنا ومياهنا وضمان استقرارنا الذي هو عنصر أساسي في الاستقرار والاقتصاد العالميين.

لن نحكم على كل مواقفكم منذ الآن، فأنتم في السلطة منذ أيام، لكننا نتوقع منكم الحزم كي تلتزم كل دول منطقتنا الأعراف والقوانين الدولية وحسن الجوار، مثلما نتوقع منكم دعم حل سياسي في سورية يحافظ على وحدتها ولا يبدد تضحيات السوريين.

فخامة الرئيس…

أنت اليوم قائد أهم دولة، وما تفعله إيجاباً ينعكس على كل العالم ارتياحاً، مثلما أن ما ترتكبه سلباً يرتد على العالم وبالاً. ونحن إذ نعلم حبك للبراغماتية بوصفك رجل أعمال ناجحاً، فإننا نرجو أن تتم وفقاً للمبادئ على أي حال لا على حسابها، ووفقاً للأصول والشفافية ومن دون فساد.

سننتظر لنرى مدى تطابق الأقوال مع الأفعال بعيداً عن بدعة “الحقائق البديلة” التي يشهرها مستشاروك في وجه الإعلام، وسنأمل أن تخيب توقعات كثيرين رأوا في مجيئك انقلاباً كاملاً يرفع مقدار الإثارة مثلما يرفع منسوب الحروب والأخطار.

مع خالص الود والتحيات.