أقلامهم

الدولة العربية.. تآكل الداخل وتأثيرات الخارج

ما الذي يمكن ان تتعلمه الدول المستقرة من غير المستقرة في إقليمنا؟ فإيران تخترق العالم العربي، وإسرائيل تتوسع في ما تبقى من فلسطين، بينما سوريا والعراق وحلب والموصل في حالة نكبة مفتوحة الأبعاد، ومصر في حالة عجز، بينما بقية العرب غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم. بعض العرب يبحثون عن تفاهمات مع الرئيس الأميركي ترامب، لكن ذلك لن يغير من عمق المشكلة وطبيعة التآكل.

خاصة وأن الرئيس ترامب يعيش هموما تتعلق بإدارته في ظل شكوك حول ديمومته إن استمر بنفس التوجهات والسياسات. إن الوضع العربي يتعثر على مستويات عديدة من أهمها عدم قدرته على بناء التجانس الوطني المحلي الذاتي بين قبيلة وقبيلة، وبين مدينة وريف، وشيعة وسنة، وبين شمال وجنوب، وبين المشارب المختلفة التي تصنع الدول الحية والناجحة، لقد سقط النظام العربي في امتحان بناء الثقة بين الناس، وهذا أدى لفقدان الثقة بين الشعب والنظام السياسي. ان الذي يجعل من إيران والولايات المتحدة وداعش وروسيا وإسرائيل وتركيا (مع الفارق بين كل اللاعبين) بهذا التأثير على الأوضاع العربية مرتبط بضعف البنيان العربي الداخلي على كل الاصعدة.

الدولة الوطنية العربية لم ترسم حدودا واضحة بين مؤسسات كالجيش والقضاء، وبين النظام السياسي وما يمثله من وزراء ورؤساء وحكومات وإعلام، وهي قلما احترمت خصوصية ومكانة المؤسسات التي شيدتها. فلقد احتكر النظام السياسي الدولة والاعلام والقضاء والحكومات، كما احتكر التعبير والتعليم والمجتمع، مما جعل الدولة قشرة تخلو من الحركة والديناميكية. فلا يمكن للديناميكية والحركة أن تصيب مجتمعا اودولة بلا حالة من التوازن بين مؤسسات فاعلة. في أجواء كهذه تتراجع الكفاءة لصالح الولاء. فالكفاءة بطبيعتها معارضة للاحتكار والمركزية التي تصاحبه وساعية لبناء مؤسسات تتمتع بالديمومة والبقاء، الكفاءة تميل للنقد والتجديد، وهذا يثير حساسية النظام العربي، الذي لا يتحمل النقد، كما وتخيفه الاحزاب والحركات السياسية، وكل ما يخلق أرضية لإشراك المجتمع في إدارة شؤونه.

في ظل الاحتكار السياسي ينمو الفساد بصفته آلية لتثبيت الاحتكار، لكن ذلك لا يكفي فلا بد من تضخم في حجم ومهام الأجهزة الأمنية، التي تتوجه لملاحقة كل نقد وفكر وصوت. لقد جاءت قضية الإرهاب للدول العربية كهدية من السماء متحولة لوسيلة لإغلاق صحف وملاحقة نقاد وحركات سياسية سلمية لا علاقة لها بالإرهاب. في ظل أجواء كهذه يقع التراجع في مؤشرات التعليم والصحة والاقتصاد، كما وينقسم المجتمع ضمن سلسلة من النزاعات المفتعلة. إن بناء جدران من الخوف بين السنة والشيعة، والريف والمدينة، وبين الأغلبية والأقلية، ينتشر كالسرطان في الجسد الوطني العربي. هذا درس يمكن تعلمه من العراق وسوريا واليمن وليبيا ودول عديدة أخرى تمر بذات التجربة من زوايا مختلفة. كلهم ضحايا الاحتكار وغياب المؤسسات الفاعلة، والمشروع الوطني الحقيقي، الذي يتعامل مع جميع مكونات المجتمع.

أصل المشكلة أن الدولة العربية الحديثة اعترفت بمواطن يتمتع بحقوق محدودة، فمواطنها نصف مواطن. بل أصبحت الدولة الوطنية العربية مع الوقت مركزا لبث العنصرية والتفرقة واللاعدالة، مما يؤسس لتشققات جديدة في واقعها وبنيانها ومجتمعها، هذه الدولة لن تصمد أمام الاعصار إن استمرت في عجزها الراهن عن الاصلاح.
التجانس والولاء، في كل مجتمع، لا يفرض بالقوة ولا بالدعوات العاطفية، فالتجانس الصحي يحترم التنوع، وينمو في ظل المعاملة العادلة، ومن الشعور بالحرية وثبات الحقوق. كل جماعة يمكن لها أن تتكتل عندما يتم التعدي على جانب من حقوقها وهويتها. إن خروج الدولة الوطنية من أزمتها يتطلب قواعد للمواطنة، جوهرها الاقتصاد العادل والمساواة بين الناس، وسياسات تنهي الاحتكار السياسي، وتفصل بين الدولة والنظام.

تعليق واحد

  • سقط النظام العربي لأنه ببساطه لم يتوقع حدوث ما يجري حالياَ لغياب مراكز البحث الاستراتيجيه وغيبوبتها ولأن كل نظام ينظر أسفل قدميه دون استشراف الأفق الرحب ولسبب خطير أخر هو أن منطقتنا تمثل قلب ولب ومركز الأرض بل مركز الكون وأنظمتنا لا تعرف ذلك أو لا تريد أن تعرف ذلك للتخفف من ثقل الحموله والهروب من المسؤوليه
    أرضنا منبت الأديان ومحور العالم والعالم يطمع فيها وينفذ أطماعه غير عابىء بما قيل ويقال ضارباَ عرض الحائط بكل القوانين الدوليه وحقوق الانسان
    ويطلبون من العربي أن يكون انسان!!
    يعني نحن حيوانات في طور التحول الى الأنسنه!
    وعندما يصبح أحدنا انسان بعد الحيونه لا يجد حقوقا على مقاس ذلك الانسان !
    لكن أبشرهم بأن أمتنا تولد من جديد
    أقسم أنها تولد من جديد.

أضغط هنا لإضافة تعليق