أقلامهم

“الله والطبيعة والسبب”.. من أوائل كتب “أمازون” وأميزها

«الله والطبيعة والسبب» كتاب ألفه البروفيسور محمد باسل الطائي، أستاذ الفيزياء الكونية بجامعة اليرموك، باللغة الإنجليزية، ونشرته مؤسسة كلام ريسيرج أند ميديا (KRM) بدعم من مؤسسة جون تمبلتون الأميركية.

يحتوي الكتاب على سبعة فصول تعالج مسائل مهمة في حوارات العلم والدين، وقد انتهج فيها الباحث نهجاً علمياً مشبعاً بكثير من المفاهيم الفيزيائية المعمقة التي حاول تبسيطها بما يجعلها مفهومة من قبل المثقف العام.

كما أبدع المؤلف في المزج بين منهجية العلم الحديث والمفاهيم الطبيعية عند المتكلمين المسلمين الأوائل من أمثال أبو الهذيل العلاف وإبراهيم النظّام والجبائيان ثم الأشعري والباقلاني والجويني والقاضي عبدالجبار وغيرهم، محاولاً تصويب النظر إلى مساهمات أولئك المفكرين المبدعين في فهم الطبيعة وإنشاء تصورات عن آليات عملية للعلاقة بين الطبيعة وخالقها، الله سبحانه وتعالى.

ولذلك خصص المؤلف الفصل الأول من الكتاب لعرض موجز لتلك المفاهيم والإسهامات الأصيلة موضحاً مخالفتها للرؤية الفلسفية التي اعتمدها أغلب فلاسفة اليونان وبرأسهم أرسطوطاليس، مبيناً موافقتها للرؤية العلمية المعاصرة.

ومن خلال ذلك يرى الباحث أن فلسفة علوم الطبيعة المعاصرة ومنهجيتها في النظر بحاجة إلى اعتماد البنية الفلسفية للرؤية الكلامية، ويرى أن هذه الخطوة ستحقق قفزة نوعية في تيسير حوارات العلم والدين عموماً وفتح كثير من أبواب التفهم لطرفي المعادلة الكونية.

في الفصل الثاني من الكتاب يعالج الباحث الفرق بين القوانين الطبيعية Laws of Nature وقوانين الفيزياء Laws of Physics منبهاً إلى وجود خلط بين المفهومين يقع فيه كثير من الباحثين الغربيين المشهورين بسبب تداخل معاني كلمتي طبيعة وفيزياء اللتين تأتيان مترادفتين في اللغة اللاتينية ومشتقاتها. وهذا ما أدى، فيما يرى الباحث، إلى اعتقادات غير صحيحة في افتراض الفاعلية الذاتية لقوانين الفيزياء في تشغيل العالم مستقلاً عن وجود خالق. ومن هذا المدخل، ونظراً لأن قوانين الطبيعة هي ظواهر الطبيعة بما هي دون أي تفسير، ولأن واقع الحال يؤكد أن قوانين الفيزياء هي محض تصوراتنا نحن البشر لكيفيات عمل قوانين الطبيعة، ولمعرفتنا من خلال ميكانيك الكم أن عمل قوانين الطبيعة هو مجازي احتمالي وليس حتمياً، فقد توصل الباحث إلى نتيجة مفادها أن العالم (الكون) بحاجة إلى مشغّل يشغله وفقاً لسنن ونواميس نسميها قوانين طبيعية استنها الخالق المهيمن ليكون نظام العالم مفهوماً بالعقل لنا فيكون ذلك دليلاً إلى معرفة الخالق والإقرار بوجوده. كما يؤكد الباحث أن واحدية قوانين الطبيعة دالة على أحدية الخالق.

في الفصل الثالث من الكتاب يعالج الباحث مسألة (السببية Causality) من منظور إسلامي، فيبين أن المتكلمين المسلمين أقروا بوجود العلاقات السببية لكنهم نفوا الحتم السببي Causal Determinism، وهذا هو خلافهم مع الفلاسفة. وسبب ذلك أنهم وجدوا أن القول بالحتم السببي لا دليل عليه فضلاً عن أنه يتنافى مع قيومية الله على العالم. ويعرض الباحث في حيثيات مناقشة هذه المسألة لكثير من أقوال المتكلمين المتقدمين شارحاً بشيء من التفصيل آراء أبو حامد الغزالي كما جاءت في كتاب (تهافت الفلاسفة). كما يعرض بإيجاز لنقد ابن رشد لنظرية الكسب عند الأشاعرة.

وفي الفصل الرابع من الكتاب يعرض لمسألة كبرى في تاريخ الفكر الفلسفي وهي (فعل الله في العالم Divine Action) من منظور إسلامي أيضاً. وفي صلب رؤيته العملية لفعل الله في العلم وقيوميته عليه يأتي الباحث بفكرة تجدد الخلق الكلامية ليجعلها مرتكزاً لآلية فعل الله في العالم ليجد أنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بلاحتمية فعل قوانين الطبيعة وكونها محتاجة إلى مُشغّل مستقل، قدير وعليم يقوم عليها.

وفي الفصل الخامس من الكتاب يعرض الباحث لآراء بعض المتكلمين الأوائل في الزمان والمكان والحركة، وبعد أن يستعرض آراء وأقوال القديس أوغسطين، يلفت الانتباه إلى أطروحات ابن حزم الأندلسي وأطروحات أبو حامد الغزالي في هذه المسائل المهمة، والتي يجدها تعكس فهماً متقدماً لتداخل الزمان والمكان وارتباط أحدهما بالآخر معاً مما يجد مقاربة في تصورات نظرية النسبية لألبرت أينشتاين مع الاختلاف الجوهري في المنطلقات.

أما الفصل السادس من الكتاب فقد خصصه الباحث لعرض مواقف تراثية من قضيتين أساسيتين جعلهما مثالين للحوار الإسلامي بين الفلاسفة والمتكلمين، إحداهما قضية حجم العالم (الكون) وإمكانية أن يكون أكبر مما هو عليه أو أصغر، وهذه المسألة تتصل بإمكانية توسع الكون وانكماشه، والثانية مسألة مصير الشمس وما إن كان الذبول يعتريها على نحو ما.

هاتان المسألتان أثارهما أبو حامد الغزالي في محضر نقاشه لآراء الفلاسفة ومناقشته لمسائلهم في كتاب (تهافت الفلاسفة) ثم ردود ابن رشد وحججه فيهما حيث نفى إمكانية توسع الكون أو انكماشه كما نفى أن تخضع الشمس إلى تبدل وتغير لكونها جسماً أثيرياً متابعاً في هذا ما قرره أرسطو.

حقاً هذان مثالان جميلان لمسائل كبرى في الفلسفة وطبيعيات الكلام نجدهما دليلاً على تقدم الفكر الإسلامي على نحو مميز قبل ألف عام من الآن.

وفي خاتمة هذه الفصول، الفصل السابع، يقدم البروفيسور محمد باسل الطائي رؤيته بصدد إمكانية إنشاء علم كلام جديد يقوم على أساسيات دقيق الكلام القديم الصحيحة في إطار المعارف العلمية الجديدة وباستخدام الدلائل والإثباتات التي يقدمها العلم ليصبح هذا أساساً ومنهجية لتأسيس علم كلام جديد يعالج المسائل العقائدية والشرعية فضلاً عن المسائل الطبيعية. فإذا علمنا أن علم الكلام القديم كان قد أسس لأصول الفقه وساعد في حجيتها، ونعلم أنه كان حجة في مسائل عقيدة التوحيد، العقيدة الإسلامية، فإنه لحري بنا العمل من أجل تجديد علم الكلام كله دقيقه وجليله بعد أن قدم الباحث نموذجه في دقيق الكلام وما يتعلق به من المسائل الطبيعية. فالباحث الطائي يرى أن أغلب حجج الجليل القديمة التي استخدمها المعتزلة والأشاعرة ومن جاء بعدهم من متأخري المتكلمين مثل الفخر الرازي ومدرسته التي استنفدت أغراضها، ولم تعد بشيء، فالواجب هو تجديد علم الكلام تأسيساً على الرؤية الجديدة التي يقدمها دقيق الكلام الجديد لتكون هذه قاعدة وأرضية فلسفية لنهوض جديد للفكر الإسلامي يمكّننا من تجديد هذا الفكر على نحو علمي وتقدمي لا يقطع الصلة بالأصول والجذور بل يتغذى منها ويؤلف منها ومما استجد من معارف نسيجاً جديداً من الأفكار والمناهج والقواعد والحجج التي تنهض بالأمة نهضة جديدة وتخلصها من سجن الماضي وسلطة الأفهام والحجج البالية القديمة.

مما ينبغي ذكره أن الكتاب انضم إلى قائمة الكتب العشرة الأولى في مبيعات أمازون دوت كوم الأسبوع الماضي وهو جاهز للطلب من الموقع المذكور على الرابط https:/‏/‏www.amazon.com كتاب رائع نرجو أن نجد ترجمته العربية في طبعة جماهيرية تجعله منهلاً لفكر جديد وكلام جديد. وجدير بالذكر أن للبروفيسور الطائي كتاباً بالعربية عنوانه (دقيق الكلام: الرؤية الإسلامية لفلسفة الطبيعة) ستصدر طبعته الثانية المزيدة قريباً إن شاء الله.