أقلامهم

منطق “أنا الصح وأنت غلط”.. سر تخلفنا

لو أردنا البحث في جملة الأسباب والعوامل التي أدت إلى تخلفنا في ركب التعامل الحضاري، الذي أفضى بالتبعية إلى تخلفنا في العديد من المجالات التي وضعتنا، دولاً وشعوباً، في ذيل قائمة الدول في معظم المجالات؛ لوجدناها تكمن في ثلاثة أمور أساسية:
– تخلينا عن منبع أصالتنا، ومصدر تميزنا؛ وهو ديننا الإسلامي وقيمه الأصيلة.
– تأثيرات خارجية تحاصرنا وتتحكم في معظم شؤوننا، واستسلامنا لها، أو قبولنا بها.
– تآكل تكويننا الثقافي والإنساني، الذي يمجِّد الشخصيات، ويغرق في الأنا، ولا يقبل التعايش ولا يُؤْمِن بالرأي الآخر، واحتكارنا للحقيقة أو الصح، وحكمنا المسبق على الغير بالخطأ دون رغبة في الاستماع.
– وسأتناول هنا سلوكاً محدداً وهو احتكارنا للحقيقة أو الصح، وحكمنا المسبق على الغير بالخطأ دون رغبة في الاستماع؛ لأهميته في واقع الحال المتخلف والمأساوي الذي نعيشه. أكاد أجزم بأن البناء والتكوينين الثقافي والسلوكي لمعظم أبناء الأمة العربية في المناهج الدراسية التقليدية الهزيلة والطبيعة التلقينية للتعليم والبيئة الفكرية والثقافية لمجتمعاتنا في الأسرة وفي المنتديات وفي السياسة وفي مجتمع النخب أو ما يقل عنه مستوى، قد أورثت فينا – مع الضحالة أو الجهل- حالة من الاعتزاز السيئ بالرأي ومحاولة فرضه، وعدم القدرة على المحاورة، بل وحتى الاستماع وإفساح المجال للرأي الآخر. وهو سلوك مستفحل في نمط التفكير، وموروث ثقافي دخيل، بدل «وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»: على مستوى الساسة والقيادات، مروراً بالقيادات الوسطى وطبقات المثقفين (وهم الشريحة الاجتماعية التي يعول عليها بالتأثير والتغيير)، وعبوراً إلى أصحاب المهن والمعلمين؛ ممن تحكمهم آراء ومواقف مسبقة ومنطلقات محددة لا نظرة موضوعية ولا معايير مهنية، وصولاً إلى الفرد في عمله وفي أسرته وفي مجتمعه الصغير، علا شأنه أم صغر.. فمعظمنا يستصغر رأي الآخرين، بل قد لا يرى أهمية له، إن لم يكن لا يرى أصلاً أن هناك من رأي سديد ومنطقي سوى رأيه؛ فهو يسير على منطق واحد مسبق «أنا الصح وغيري هو الخطأ»؛ ولذا، فإن أحداً يكاد يصل إلى درجة تبرئة نفسه من الخطأ. وإن أخطأ، فإنه يعظم في نفسه الإقرار بالخطأ، والأسوأ المكابرة بعدم الاعتراف بالخطأ.
– إن ذلك الموروث الثقافي والتكوين الهزيل اللذين أسهمت فيهما كل تلك العوامل من زعامات وأشخاص أو عوامل وظروف، واللذين خلّفا أجيالاً تتباهى بالقشور وتعتز بالأخطاء ولا ترى الصواب إلا فيها وفي رأيها، لن يُذهبا عن بصرنا ولا عن بصيرتنا مكامن القوة في أمتنا وأصالة معدن أبنائها. وإن ران على سلوكهم مظاهر مرضية دخيلة، فإن مآلها إلى زوال، ومع وجود جيل يستلهم قوته ذاتياً ويحدث تغييراً طال انتظاره لتتلاشى فكرة «أنا صح وغيري خطأ»، لتحل مكانها ثقافة «احترام الرأي الآخر والتكامل والاختلاف البناء»؛ مصداقا لقول رسولنا الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم: اختلاف أمتي رحمة، وهو خلاف يورث قوة وتميزاً لا وهناً ولا تعالياً، وإن غداً لناظره قريب.

تعليق واحد

  • اعتقد انه هالعنوان يجب ان توجهه لنفسك اولا قبل التحدث به هكذا … لان فاقد الشيء لا يعطيه

أضغط هنا لإضافة تعليق