أقلامهم

التفاهم.. في العمل السياسي

السياسة فن الممكن..
ويخطئ من يظن أن هناك أسلوباً واحداً لممارسة العمل السياسي، فالمعارضة قد تضطر إلى إشعال الساحة السياسية وتحريك الشارع للضغط على الحكومة، كما قد تضطر إلى التهدئة أحياناً للوصول إلى غاياتها، وقد تنجح هنا وتفشل هناك، كما حدث للمعارضة الكويتية بعد مرسوم الصوت الواحد، عندما قاطعت الانتخابات النيابية، وشكلت مجموعة من الشباب ذوي توجهات سياسية «كرامة وطن»، قادت الشارع السياسي بكل مكوناته في مسيرات سلمية للاحتجاج والتعبير عن رفض المرسوم، لكنها ووجهت بعنف غير مسبوق، فسلكت أسلوب الاعتصامات، التي تم تفريقها بالقنابل الغازية، فلجأت إلى التجمهر في الدواوين للتعبير عن رأيها، فمنعت السلطات الخروج عن حد الديوانية، وضربت الحضور بالهراوات، وسحلت النواب على الأرصفة، فاضطرت إلى استغلال وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن احتجاجها، لكن الأجهزة الحكومية كانت لها بالمرصاد ولم تتركها وشأنها، فأحالت كل من يعترض على المشهد السياسي إلى القضاء، وصدرت الأحكام القضائية بالسجن للنشطاء من المغردين، الذين لم يستوعبوا هذا التحول في تلك المرحلة، والذي لم يتعود عليه أهل الكويت في هذا الزمن، مات الحراك الشعبي وتشرذمت المعارضة، وتقوقع العديد من الرموز في الزوايا، وتم سجن ملهم الحراك مسلم البراك، ووضعت القيود الأمنية على المئات من المغردين والنشطاء السياسيين وأقاربهم، وسحبت الجناسي ظلماً وزوراً، وتم إبعاد من أبعد، وأغلقت الصحف المخالفة لخط الحكومة، وانتشر الفساد المالي والتشريعي، وانتقل الخلاف بين بعض أقطاب من الأسرة إلى العلن، ولعب المال السياسي دوراً في تقسيم الولاءات، وظهرت الحسابات الوهمية التي تشتم خصومها، وأصبحنا نشاهد الانحدار في كل المجالات، مما اضطرت معه المعارضة إلى إعادة حساباتها خوفاً على البلد من الضياع، فاضطرت إلى إنهاء المقاطعة والمشاركة من جديد في الانتخابات، مع ما يشوب ذلك من مخاطر، لكن شيئاً أهون من شيء، وتحت قاعدة «احتمال أهون الضررين بدفع أكبرهما»، وسرعان ما ظهرت النتائج الإيجابية لهذا التحول في الأسلوب، فتغير مزاج الحكومة، وبتغير وزير الداخلية تغير أسلوب التعامل مع الخصوم، وأدركت جماعات الإصلاح السياسي طبيعة تفكير أصحاب الشأن، فسلكت أسلوب التفاهم على حل الإشكاليات المتراكمة لرفع الظلم عن المظلومين، وكانت المفاجأة أن وجدوا القبول لهذه الحلول، بعد أن كانت من المستحيلات، فتم التفاهم على استرجاع الجناسي، وتشكلت لذلك لجنة انتهت أخيراً من عملها، ولم يتبق إلا صدور القرارات، وتم التفاهم مع وزير الداخلية لرفع القيود الأمنية عن ألف ناشط سياسي وأقاربهم، وفعلاً تم ذلك، وتم التفاهم بتأخير تطبيق الرسوم والضرائب وإعطاء المجال لتعديلها، وفعلاً تم ذلك، ومنعت المعارضة التجديد لمسؤولين عليهم شبهات فساد وسوء إدارة، ولم تجد معارضة من الحكومة كما كان في السابق. والآن يجري التفاهم على تعديل قانون المسيء وقانون العفو العام من جديد، كل ذلك تم ويتم خلال الأشهر الستة الأولى من عمر هذا المجلس، من دون الإخلال بحق النواب في ممارسة دورهم الرقابي!
ويأتيك من يجلس في بيته، ولا يجيد إلا اللطم والتحلطم، ثم يتهم المعارضة بالتخاذل والتنازل عن مبادئها (!).