أقلامهم

زيارة #ترمب .. وتناقضات المأزق الجديد

زيارة الرئيس الأميركي للمملكة العربية السعودية والفاتيكان ولدولة الاحتلال الإسرائيلي وللناتو على مدى تسعة أيام تعكس تناقضات السياسة الأميركية في عهده. لقد أعلن البيت الابيض بأن الرئيس ترامب يهدف من الزيارة لبناء تآلف بين الديانات في مواجهة أعداء مشتركين، لكن في الجوهر يسعى ترامب لمساعدة اقتصاده، ولمساعدة إسرائيل على تحقيق مصالحها، ولإنقاذ رئاسته من الفشل الداخلي الكبير. ومن جهة أخرى من حق الدول العربية وعلى الأخص الخليج والمملكة العربية السعودية التفكير الجاد في أمنها. لكن السؤال: هل يقع تقدم في ملف أمني هام بينما يقع نزيف فيما بعد في ملفات سياسية أخرى؟

وسيلقي الرئيس ترامب خطابا اليوم الأحد في المملكة العربية السعودية. لكن الأمر أكثر تشابكا عندما نعلم بأن كاتب خطاب الرئيس الاميركي ترامب هو مستشاره ستيفن ميلير الذي صاغ القرار الإداري بمنع ما يقارب 200 مليون مسلم من دخول الولايات المتحدة. وسيعلن ترامب عبر الخطاب استمرار حربه على الإرهاب دون تحديد موعد للقضاء عليه، ودون النجاح في تفسير أسباب فشل هذه الحرب منذ 2001. سيوجه ترامب كلاما واضحا لإيران وتمددها، لكنه لن يملك المقدرة على تغيير الميزان أو إلغاء الاتفاق النووي. لكن قيام ترامب بالسعي لإشراك إسرائيل مع الدول العربية في ترتيبات أمنية وعسكرية مشتركة في هذا الظرف سيتحول لمخاسر للدول العربية لأنه سيرفع من منسوب الصراع الإقليمي والراديكالية في الإقليم.

ترامب يبحث عن انتصار خارجي، خاصة وأنه يخضع لأكبر عملية تحقيق بعد أن تخلص منذ أيام من رئيس الإف بي أي جيمس كومي الذي كان يشرف على التحقيق الخاص بعلاقات حملة ترامب مع روسيا، والدور الروسي في الانتخابات الأميركية الأخيرة. لكن ترامب فوجئ من جهة أخرى بنائب المدعي العام يعلن عن تحقيق مستقل بمسألة العلاقة مع روسيا. وقد تم تعيين روبرت مولير الأربعاء الماضي، وهذا ليس أمرا إيجابيا للرئيس ترامب، فمولير كان لمدة 12عاما رئيسا للإف بي أي ويحوز على تقدير الحزبين الديمقراطي والجمهوري. المشهد الأميركي يقترب من حالة تشبه الووترغيت مع الرئيس السابق نيكسون. لكن ما يقع في الولايات المتحدة يشير إلى مدى قدرة المؤسسات الأميركية على تحدي رئيس لا يمتلك الخبرة ولديه نزعة إقصاء المؤسسات والفردية في صنع القرار.
ما يفوت الكثير من نخب العرب السياسية أن الرأي العام الأميركي عامل أساسي في المعادلة الاميركية القادمة. لقد نجح الرأي العام الأميركي في إفشال سياسات ترامب الداخلية كالضمان الصحي وتجميد قرار منع ملايين المسلمين من دخول الولايات المتحدة. لهذا سيتعامل العرب مع رئيس مرتبك بينما تتراجع قوته بسبب إدارته وبسبب شبهات دستورية حول سياساته. فمع كل أسبوع فضيحة جديدة، آخرها ما سربه الرئيس ترامب من معلومات سرية عن داعش لوزير الخارجية الروسي. لقد امتلأت إدارة ترامب بمؤيدين منتظمين لإسرائيل وللصهيونية، بمن فيهم ستيفين ميلير كاتب خطابه الذي سيوجهه للعرب والمسلمين اليوم. هذا المشهد السريالي سيؤثر سلبا على أصدقاء ترامب عندما يترك المكان ويتراجع.
وقد لا يجد التحقيق الأميركي شيئا يدين الرئيس، لكنه سيربكه كما وسيجد التحقيق شبهات كبرى حول بعض مستشاريه السابقين وربما الراهنين، كمستشاره الأول للأمن القومي مارك فلين الذي عينه في البداية ثم أزاحه، وسيجد التحقيق الكثير حول رئيس حملته الانتخابية السابق بول مانافورت. لكن قد يصل الأمر في لحظة ما للرئيس. وهذا يفسر سرعة نزول سوق الأسهم الأميركية السريع الأسبوع الماضي. إدارة الرئيس ترامب في السنوات القادمة ستكون إدارة أزمات وتناقضات. إن رهان العرب على ترامب مبالغ به منذ البداية. سيأتي يوم في هذا الإقليم نراهن على شعوبنا مع تقليل رهاننا على القوى الخارجية بكل انحيازاتها وضيق مصالحها. التاريخ يقول لنا إن القوى الخارجية والأميركية تخلصنا من عدو لتخلق لنا من هو أشرس منه، إنها في النهاية تغرقنا في تناقضات مدمرة وتأخذ ثمن كل ذلك مقدما.