أقلامهم

بوابات الشياطين!

في أكثر من مجلس يردد البعض هذا التساؤل من باب الاستيضاح:

ما قصة البوابات الإلكترونية التي نصبها الصهاينة على مداخل المسجد الأقصى؟ وهل يستحق هذا الإجراء الاحتلالي كل هذه الغضبة الكبرى؟

أخطر ما في الموضوعات السياسية ذات الآثار المصيرية أن يتم اختزالها وتسطيحها وتتفيهها؟

ولقد واجه الشيخ محمد سليمان نصرالله الفرا رئيس رابطة علماء فلسطين – فرع خان يونس – في قطاع غزة ذات السؤال، فكتب جواباً منشوراً خص به أبناء القدس جاء فيه:

«راسلني أحد طلبة العلم سائلاً عن حكم دخول المسجد الأقصى عبر البوابات الإلكترونية التي نصبها الاحتلال على مداخل المسجد، وما سر الرفض الفلسطيني لذلك؟

فأجبته بأن ما تطمئنُّ إليه نفسي هو حرمة دخول المسجد الأقصى عبر هذه البوابات، وأنَّ من دخله منها برضاه واختياره كان آثماً، وذلك للاعتبارات الشرعية والمقاصدية التالية:

1. ‏لن يضرَّ الأمّة شيءٌ لو بقي المسجد الأقصى بلا أذان ولا صلاةٍ، ولن يضرَّ المسجد الأقصى أيُّ إغلاقٍ ما دام أهله رافضين لشروط الاحتلال؛ ذلك أنّ الذي يضر المسجد الأقصى، والقضية الفلسطينية هو دخولنا المسجد أذلةً؛ كالقطيع عبر بوابات الاحتلال.

2. ‏إنَّ دخول المقدسيين الآن للأقصى عبر هذه البوابات يتضمن مفسدةً سنعيشها فترةً طويلةً، وينتفع بها الاحتلال دولياً؛ لأن سيادته على الأقصى قد نجحت، ورضي المسلمون بسلطانه وجبروته، وسيجرُّ علينا تنازلات أخرى تزيد من سيطرته.

3. إن ‏بقاءنا خارج الأقصى مجاهدين ومقاتلين واستشهاديين، وبقاء المسجد فارغاً من المصلين والعاكفين، يحقق مصلحة جهادية مهمة، ويحرض المؤمنين على القتال من أجل فتحه عنوة، والصلاة فيه بعزة وكرامة.

4. إن الرفض المقدسي لشروط الاحتلال يفضح صورته، ويكشف زيفه أمام العالم، ويبين أنه هو الذي يريد أن يفرض سيادته على مقدساتنا عنوة.

5. إن تسول الصلاة في المسجد الأقصى من العدو الغاصب لا يؤجرُ عليه المسلم، كلا والله، بل يجترح به صاحبه إثماً كبيراً؛ لأنه يقوي موقف المحتل، وهذا لا يرضاه الله ولا رسوله.

6. إن واجب الوقت اليوم هو تحرير المسرى، وليس استجداء الصلاة فيه تحت أحذية العدو المجرم، ومَن فرَّط في واجب الوقت من أجل ركعات يركعها بذل، فهو منكوس الفطرة، ومعلول الفهم.

يا ابن القدس… إما أن تصلي في المسجد الأقصى عزيزاً، أو تقضي نحبك على أعتابه شهيداً، فلا مجال للتخاذل والتراجع، والرضوخ لشروط الاحتلال».

إلى هنا انتهى رد الشيخ الفرا، وقد أيده في ذات الرأي والفتوى سعادة قاضي قضاة فلسطين (سابقاً) فضيلة الشيخ محمد أبو سردانة البالغ من العمر 95 عاماً، ودعا عموم المسلمين إلى الأخذ بها.

أما أنا فمن طرفي أزيد فأقول:

إن أخطر ما في موضوع بوابات القدس مناقشتها من الزاوية الإجرائية البحتة أو التسليم للمحتل الإسرائيلي بواقع الاستفراد بالفلسطيني وحده كطرف واقع تحت الضغط يمكن إخضاعه بالمساومة والابتزاز، لا يا سادة يا كرام، فكل مسلم عربي عاقل مستبصر يدرك حتماً أن موضوع المقدسات الإسلامية وأياً كان موقعها الجغرافي هي شأن يعني الأمة بأسرها، فالمسجد الأقصى شأنه شأن الكعبة المشرفة والمسجد النبوي والمصحف القرآني والذات النبوية وباقي المقدسات لناحية اشتراكها بعمومية اهتمام وحماية كل المسلمين.

وعليه… فإن مقياس الارتباط الإيماني والالتزام الإسلامي يتجلى عند الفرد المسلم في مقدار تعظيمه لهذه المقدسات وغيرته عليها ودفاعه عنها، وبالتالي رفضه المطلق لأي صورة من صور الاعتداء عليها ناهيك عن احتلالها والاستحواذ على مداخلها ومخارجها وباحاتها وفرض شروطه على روادها، وبذلك يكون المساس بالمسجد الأقصى زعزعة لمكانة الدين في الوجدان، ومحاولة لاقتلاعه من أعماق النفوس، وهو ما نرفضه ونتعبد الله بمقاومته كل حسب مكانه وقدرته وما تيسر له، هو سباق نحو أداء الواجب وحصد الأجر وليس أمراً حياتياً عادياً يسوغ فيه تبادل وجهات النظر وترجيح المحبب للنفوس… وليس أوجب اليوم على المسلمين من اقتلاع «بوابات الشياطين» التي نصبها يهود لتكون سيادتهم على الأقصى «واقع حال» قد يتحصلون من ورائه على دعم المتخاذلين من المطبعين والمتصهينين في الداخل والخارج وفي هذا الواجب الشرعي فليتنافس المتنافسون.