أقلامهم

ممنوع دخول المحجبات والحيوانات..!

(منع المحجبات والحيوانات من دخول المخيمات الصيفية).

هذا الإعلان المتخلف الظالم لم يصدر من إدارة منتجع سياحي خاص، وإنما كان قراراً أصدرته جهة حكومية، ويزداد عجبك إذا عرفت أن هذه الحكومة ائتلافية بين حزب اليسار الديمقراطي وحزب الحركة القومية وحزب الوطن الأم في تركيا، قبل تولي حزب العدالة والتنمية ذي الاتجاه المحافظ الحكم.

كنت قد قرأت هذا القرار الرجعي المهين للعقل والمستخف بكرامة الإنسان منذ سنين عدة في كتاب (ديمقراطية بلا حجاب) صفحة 273 والمطبوع العام 2004.

فما الذي استدعى الموضوع إلى الذاكرة الآن؟

إنها قصة حياة مؤلفة هذا الكتاب الذي دونت فيه القرار الحكومي المستفز والمخجل الذي يقضي منع المحجبات والحيوانات من دخول المخيمات الصيفية، إنها مروة قاوقجي.

وليس في هذا الخبر ما يستدعي التأمل، وإنما معرفة تاريخ هذه الشخصية سياسياً وعلمياً والظلم الذي وقع عليها بسبب ارتدائها الحجاب!

لخصت وكالة ترك برس الحدث في تاريخ 27/ 7/ 2017 بعنوان يجسد الواقع «بعد 18 عاماً من طردها من البرلمان بسبب حجابها… قاوقجي سفيرة لتركيا في ماليزيا». وجاء في سياق الخبر أن وزارة الخارجية التركية، عينت النائب السابق في البرلمان مروة قاوقجي، سفيرة لها في العاصمة الماليزية كوالالمبور، بعد أيام قليلة فقط من إعادة الجنسية التركية إليها على خلفية سحبها منها بسبب حجابها.

ومروة قاوقجي من مواليد أنقرة العام 1968، خضعت لضغوطات كبيرة بسبب حجابها منذ سنوات الدراسة، حيث اضطرت لمغادرة كلية الطب في جامعة أنقرة حينما كانت في السنة الثانية، بسبب قانون منع ارتداء الحجاب.

وعلى إثر ذلك هاجرت قاوقجي مع عائلتها إلى الولايات المتحدة الأميركية، وتلقت هناك التعليم في قسم هندسة الحاسوب بجامعة تكساس، وبعد تخرجها عادت إلى تركيا حيث انضمت إلى حزب الرفاه أولاً ثم حزب الفضيلة، وشغلت منصب رئيس قسم العلاقات الخارجية في لجنة السيدات بالحزب.

وفي العام 1999، انتُخبت قاوقجي نائباً في البرلمان التركي عن حزب الفضيلة، لكنها طُردت من البرلمان بسبب حجابها، وحُرمت من ممارسة السياسة لمدة 5 سنوات، كما سُحبت منها الجنسية التركية أيضاً.

عادت قاوقجي مجدداً إلى الولايات المتحدة بعد طردها من البرلمان وسحب الجنسية، وواصلت تحصيلها العلمي، حيث نالت درجة الماجستير في الإدارة العامة بجامعة هارفارد، ومن ثم درجة الدكتوراه في قسم العلوم السياسية من الجامعة ذاتها.

وفي فترة لاحقة، عُينت قاوقجي عضواً في الهيئة التدريسية بقسم العلاقات السياسية في كل من جامعة جورج واشنطن وجامعة هارفارد.

وشغلت قاوقجي منصب عضو الشرف في الهيئة الاستشارية برئاسة دائرة أتراك الخارج والمجتمعات ذات القربى، فضلاً عن مشاركتها في مجلس محرري مجلة تصدر عن جامعة دوك، إلى جانب عضوية مجلس إدارة الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية.

وصُنفت قاوقجي ضمن قائمة أكثر 500 شخصية إسلامية مؤثرة الصادرة عن جامعة جورج تاون الأميركية.

كما نالت قاوقجي جائزة المرأة المسؤولة في جامعة واشنطن والمنظمة الوطنية لتطوير السود في الولايات المتحدة، وتم كذلك عرض حجابها الذي كانت ترتديه في جلسة البرلمان لدى طردها، في الكونغرس الأميركي كرمز لحقوق الإنسان الدينية.

وأصدرت قاوقجي كتباً عدة أبرزها «لعبة السياسة»، و«أن تكون مسلماً في الغرب»، و«ديمقراطية بلا حجاب – تاريخ بداخل التاريخ»، و«ديمقراطية بلا حجاب – الانقلاب غير المسمى».

جدير بالذكر أن قاوقجي حصلت على الجنسية التركية مجدداً بقرار من مجلس الوزراء التركي، في 3 تموز/ يوليو الجاري.

والسؤال الذي يستوجب التأمل لدى العقلاء في عالمنا العربي الذي يسعى البعض إلى جزه قسراً نحو منحدر العلمانية كيف تسمح حكومة ائتلافية من أحزاب ديمقراطية علمانية باتخاذ موقف قمعي ضد محجبة بهذا الوعي والمهنية اختيرت نائباً بأصوات الشعب؟!

والسؤال الثاني: التجربة التركية الإصلاحية والتنموية الضخمة المتآزرة مع العودة لهويتها الأصلية بعد أن سلختها منها العلمانية الشرسة، ألا تستحق أن نتأسى بها وننظر إليها بعين الاستفادة من الاستراتيجية الإصلاحية الناعمة التي جعلت بلداً يعين محجبة كسفيرة له في دولة إسلامية لها ثقلها، بعد أن كانت حكوماته السابقة تمنع المحجبات من «دخول المخيمات الصيفية التي أنشأها البنك المركزي من عرق جبين الأمة»، كما كتبت مروة في كتابها قبل أن تتبوأ هذا المنصب المرموق.

@mh_awadi