أقلامهم

خصخصة الجمعيات تخبط وتنفيع

أفكار غريبة لا تعرف من هو مصدرها، وكيف تم تسويقها؟ ولماذا تحمست الحكومة، أو لنقل وزير فيها للأخذ بها والإعلان عن تبنيها؟ تلك بعض التساؤلات التي لا بد من طرحها مع الحديث (غير المنطقي) عن خصخصة الجمعيات التعاونية، التي هي في الأساس مشاريع خاصة يملكها الأهالي أفرادا من خلال منطقتهم السكنية، وهي فكرة في منبعها نشأت من الفكر التعاوني (أي التضامني) بين أهالي المنطقة السكنية لتوفير أسواق توفر لهم احتياجاتهم الحياتية الأساسية وتكون قريبة من منازلهم، ولما كانت هذه المشاريع متوقعا أن تكون دخولها محدودة وبناؤها يحتاج الى تعاضد أهالي المنطقة السكنية، فقد نشأت فكرة الـ Co-Op أو التعاونيات، وهي مشاريع مملوكة للأفراد والأهالي ويكون الحق في المساهمة فيها دائماً مفتوحاً بقيمة اسمية ثابتة، فهي في منشئها وتكوينها ومسيرتها وملكيتها مشاريع خاصة، ولأن الدولة في دول الاقتصاد المختلط تدعم هذه المشاريع فقد وفرت لها أراضي مجانية أو بإيجارات اسمية لتوفير عوامل نجاحها بما يرفع عن كاهل الدولة القيام بهذا النشاط لتلبية احتياجات الناس المعيشية، وفي ظل هذا الترتيب أصدرت بعض الدول تشريعات لتنظيم هذا النشاط وضمان سلاسة مساره.
هذا هو الوضع القانوني لكيان الجمعيات التعاونية الذي عليه الحال في الكويت، وهو نشاط بدأ في فترة مبكرة تزامنت مع نشأة المناطق السكنية خارج السور في النصف الثاني من الخمسينات، وقد تكرست مع مرحلة وضع الدستور، وأرسى أسسها في العديد من المواد والأحكام الدستورية، خصوصا المواد 18 و19 و20 و21 من الدستور، التي تشجع الملكية الخاصة وتمنع الدولة من التحكم بها أو مصادرتها أو الاعتداء عليها، ولكنها تدفع الدولة لتشجيعها ووضع الضمانات والتسهيلات اللازمة لدعمها. ومن المضحك والمبكي أن تصر الحكومة أو وزير فيها على طرح فكرة «تتناقض مع الدستور» لتخصخص ما هو أصلاً «ملكية للأفراد» ولتحاول أو تجهض نشاطاً اقتصادياً أهلياً بكيان قانوني راسخ بـ«فكرة في مهب الريح»، بأطروحات ومبررات مضحكة (لعدم القدرة على محاسبة المخطئ أو المسيء) وهذا هو التخبط الحقيقي والتنفيع البين الذي يمكن أن تنساق له الحكومة أو أحد وزرائها. وهو ما تم في جمعية بيع سوقها المركزي ووقعت فيه مخالفات وأخطاء عديدة، التنفيع فيها ظاهر وتحتاج إلى محاسبة تسقط الحكومة لا الوزير فقط.
إن شبهات دستورية وقانونية وسياسية، وربما مالية، تحوم حول فكرة «خصخصة الجمعيات التعاونية»، فنقل ملكية الأفراد رغما عنهم بإعادة بيعها لتمليكها لآخرين فيه مخالفات عديدة للدستور. وقانونياً، فإن الفكر التعاوني القائم على الملكية المتماثلة بين الأفراد، نظام قانوني يعزز النشاط الخاص ويسهل الملكية الخاصة، أما سياسياً، فإن ذلك يعني أن الحكومة لا تفقه في فن السياسات العامة لتمس نشاطاً خفف عنها مسؤوليات حياتية بصورة متوازنة ومستقرة لتدهور هذا النشاط بقرار «مرتجل»، وهو ربما يفسر على أنه سعي ما يقود للشبهات المالية التي قد يكون هدفها ربما التنفيع لمصلحة أطراف متضررة من التعاونيات التي هي مشاريع خاصة وترغب في الانقضاض عليها كما نهبت البلد، أدعو الجميع إلى التصدي «لمهزلة المتاجرة بقوت الناس تحت ستار خصخصة التعاونيات».
اللهم إني بلغت.