أقلامهم

السعوديات قادمات.. فافسحوا لهن

لم أعِ مقدار بهجتي وفرحي ساعة سماع خبر السماح للمرأة السعودية بالقيادة إلا عندما التفتت لي ضيفتي السعودية قائلة: «مش شكلك فرحانة أكثر مني؟»، ضبطت نفسي قليلا، وقلت لها: أنا فعلا فرحانة، لكن وبكن. فرحانة لحصول المرأة السعودية على حقها الطبيعي في قيادة سيارتها، كما كل نساء العالم، وما يزيد فرحتي إحساسي بأن هذا القرار هو خطوة أولى نحو المزيد من الحقوق والحريات، فهنيئا، لكن.
لسنين عاشت المرأة السعودية تحت حكم فتوى رسمية مصدقة من المؤسسة الدينية تقضي: «بعدم جواز قيادة النساء للسيارات، ووجوب معاقبة من يقوم منهن بذلك»، واجتهد كثير من رجال الدين حيال هذه القضية بتفسيرات غريبة، معللين رفضهم لقيادة المرأة لكونه «أمراً خطيراً يعرِّض النساء لأبواب شرّ كبيرة»، وانها «تؤدي إلى مفاسد منها السفور، والخلوة المحرمة بالمرأة». وأن «المرأة بنصف عقل وعندما تقود تصبح بربعه». والأطرف كانت فتوى شيخ سعودي بأن «علم الطب الوظيفي الفسيولوجي قد درس هذه الناحية (قيادة المرأة) التي تؤثر تلقائيا في المبايض، وتدفع الحوض إلى أعلى، لذلك نجد غالب اللاتي يقدن السيارات بشكل مستمر يأتي أطفالهن مصابين بنوع من الخلل الإكلينيكي».
وفجأة، وفي غمضة عين، وحال صدور الأمر السامي الذي تفضل به خادم الحرمين الشريفين بالسماح للمرأة السعودية بالقيادة، انقلبت حال رجال الدين وانقلبت فتاواهم وأصبحت قيادة المرأة للسيارة حلالا «زلالا»، لا تشوبها شائبة، وأقرت المؤسسة الدينية بأن «السماح للمرأة بقيادة السيارة من الأمور المباحة».
كيف لنا أن نثق بفتاوى بعض رجال الدين، وهي تتحوّل وتتبدل وتتلون حسب «الجو»؟ كيف نثق بمن يفتي بحرمة أمر اليوم ويحلله غدا؟ الدين لم يتغيّر والمجتمع لم يتغيّر، لكن رجال الدين تغيّروا، فمن الواضح أن الفتاوى الدينية أصبحت إما تجارة مربحة للسيطرة على البسطاء، وإما وسيلة للوصول الى المال والشهرة، أو لمداهنة السلطة. وتبنّى بعض رجال الدين حصانة لأنفسهم وجعلوا لأقوالهم قداسة تُربك المتلقي، وتجعله خاضعا لا يجرؤ على المساءلة أو النقاش. لكن الحقيقة الماثلة أمامنا هي أن ما يخرج من أفواه بعض رجال الدين ما هي إلا آراؤهم الشخصية، أفكارهم واجتهاداتهم التي تخصهم وعادة ما تكون «شغل ايدهم»، ولا تمتّ للدين بصلة. وعلينا أن نتعامل مع فتاواهم بمفهوم بشري قابل للصح والخطأ، لا أن نعتبرها من المقدسات، ففي النهاية هم بشر مثلنا ولحومهم ليست مسمومة كما يدعي البعض، ويمكننا مناقشتهم ومجادلتهم، وإن لم نقتنع بفتاواهم فلن نلتزم بها.
أخيراً، تحية كبيرة لقائد السعودية «الجديدة» جلالة الملك سلمان وولي عهده، وتحية لنساء السعودية اللواتي ناضلن وثابرن لنيل حقوقهن. وليكن بعلمكم، السعوديات قادمات، ليس عبر قيادة السيارة فقط، بل عبر العلم والعمل ومشاركة الرجل في النهوض وتطور السعودية الجديدة.
نحن نعرف ونثق بأنكن «قدها وقدود».. وبانتظار زيارتكن لنا بسياراتكن.

الوسوم