أقلامهم

نموت ويحيا زيرو تولرنس

وصف كاتب في “أتلانتك” الأميركية سياسة ترامب بترحيل المهاجرين غير الشرعيين – وأغلبهم مكسيكان ولاتينوس – وتفريقهم عن أبنائهم وأقربائهم، بأنها سياسة فرانكشتينية، بمعنى أنها موغلة في التوحش ومرعبة، فمشاهدة عمليات التفريق لمئات العائلات الأجنبية الفقيرة عند الحدود الأميركية لا يمكن قبولها إنسانياً – عندهم طبعاً وليس في معايير النظام العربي الحاكم بأمر الله – وأثار المشهد غضب واستياء الصحافة الأميركية، وهاجمت زوجة الرئيس بوش الابن هذه الممارسة، حتى زوجة ترامب ذاتها انتقدتها، لكنها أمسكت العصا من النصف على طريقة كتابنا هنا، في ظل الرقابة، ولكي تضيع الطاسة، وقالت إنها مسؤولية الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فهما لم يتوافقا على رأي في الإقامة غير الشرعية.

الرئيس ترامب في ممارسة هذا الترحيل “المتوحش” (من جديد هذا النعت عندهم وليس عندنا) يطبق قوانين الإقامة بالدولة الأميركية بحذافيرها إعمالاً لسياسة “التسامح الصفري” التي بشر بها نبي “نيو ليبرال” في أميركا، بما يعني رفض أي اعتبارات إنسانية اجتماعية في تطبيق القانون، ورغم قوة المعارضة من الصحافة وهيئات حقوق الإنسان لسياسة الترحيل فإنه لا يمكن وقفها أو الحد منها، ما لم تتدخل السلطة القضائية بأحكام تحد منها وتعطلها، وهذا يستغرق وقتاً طويلاً، أيضاً، لتذكير الناسين في أوطاننا، السلطة القضائية هناك وعلى رأسها المحكمة العليا هي سلطة حقيقية بالمعنى الدستوري الراسخ في الفصل بين السلطات، فالسلطة تحد من السلطة، هي لا تتبع السلطة التنفيذية وأوامر دولة الرئيس كمعظم أقطار النظام العربي، والتي تتصنع الاستقلالية حسب دساتيرها، فهذه دساتير من ورق بتعبير نيثان براون.

أين ستنتهي سياسة زيرو تولرنس نحو المهاجرين؟ لا نعلم! لكن يظل هناك تساؤل فحواه: لماذا لم يستلهم ترامب تجارب عربية غير محددة تاريخياً بالنسبة لغير المرغوب فيهم ولو كانوا مواطنين، فالمواطن عندنا يعرف واقعاً بالانتماء والتبعية للنظام الحاكم وليس للوطن، فلا يوجد خطوط تفصل بين الاثنين اسمها المؤسسات كالديمقراطية وحكم القانون والمجتمع المدني، وتجربة صدام مع الأكراد أو الشيعة في نقلهم أو تشتيتهم لا يمكن نسيانها… على أضعف الإيمان والكويت تعد بالنسبة للكثير من الدول العربية أفضل من غيرها رغم ممارسات سحب الجنسية وملاحقات أصحاب الرأي المخالف، كان يمكن نقل تجربة جهاز معالجة المقيمين بصورة غير قانونية، فيوزع على المهاجرين “اللاتينو” بطاقات ملونة تحدد أوضاعهم، تحرمهم مرة من أبسط الحقوق كحق التعليم أو تسمح بها في حدود مؤقتة مرات أخرى حسبما تمليه اعتبارات “السياسة العليا” الله يحفظها، وتجعل حياتهم بالتالي جحيماً لا يطاق.

الزيرو تولرنس هو الأرض المشتركة بيننا وبين سياسة العم ترامب، هو طبقها على المهاجرين، وفي دولنا بمجتمعاتها التقليدية نحن نطبقها في كل الأمور ومن أبسطها لأكبرها، فزيرو تولرنس للمختلفين عنا بالطبقة الاجتماعية وبالوطن وبالدين وبالمذهب وبالسياسة… وبكل شيء… نموت ونحيا بالزيرو تولرنس.