أقلامهم

نزيف في خاصرة الوطن

تعقب أحوال البلد يؤكد أنه يسير من انحدار إلى أسوأ، لست مبالغاً ولا جزافياً في حكمي على وضع البلد، ولا اعتمر نظارة سوداء في وزن الأمور، بل أجتهد في ربط النتائج بالمعطيات، ان متواليات انحدار منحنى البلد هي المؤشر المؤكد والأكثر بروزاً في شؤونه، مما يصعب معه تجاهله وعدم دق ناقوس خطره، نعم قد تكون هنا أو هناك بعض بوارق الأمل أو المحاولات الجادة لتقيل البلد من عثرته، لكنها، في تقديري، نادرة متناثرة ومتضاءلة في خضم التراجعات والإخفاقات والفساد السياسي والمالي والإداري، التي تجثم على صدر الوطن وتثقله نحو الانحدار وتمنعه من النهوض.
وسأسجل مجموعة مظاهر واضحة للحمل الثقيل، التي تشكل خناجر توخز خاصرة الوطن فتتركه دامياً متألماً، وكأني بأنينه «كفاني غربة وجحوداً من أبنائي».

فعلى صعيد الأسرة الحاكمة، التي يتمسك بها ويجلّها الكويتيون، ويرون فيها مصدر استقرار الدولة وأساس منعتها، فقد نال بعض أطرافها صراعاً داخلياً، وتدافع بعض أبنائها إلى مكتسبات ومصالح شخصية، مما ضيّع حياديتهم، وصار هذا البعض طرفاً في نزاعات عديدة، فعرّضهم أحياناً للتجريح، وهذا يتنافى مع موقعهم الدستوري، الذي ينبغي النأي به عن مواضع التجريح والمنافسة، كونهم مصدر إمداد الدولة بالأمير وولي العهد، من دون المزاحمة على مناصب بما يتنافى مع المنظومة الدستورية لمكانة الأسرة في الدولة، وهو ما يجب استدراكه وتحصينه.
أما على صعيد مجلس الأمة، فإن العضوية النيابية صارت في الغالب نمطاً من السمسرة السياسية والمالية المؤذية، فقد أضحت النيابة وسيلة الكثيرين للتكسب السياسي الوهن والمهين للأمة ولنوابها، وصار كرسي النيابة في بعض الأحيان بضاعة في سوق نخاسة المال السياسي والفساد، يباع ويشترى مرات متكررة حسب الحدث والمواقف بمزادات مقلقة، وصارت العضوية بالنسبة للبعض مصدراً لإيذاء الوطن، وبلغ تبرّم الناس من وجود مجلس بهذا النمط، مما يوجب إصلاحاً حقيقياً لنظام انتخابه ليعيد للوطن وبيت الأمة اعتبارهما.
وعلى صعيد النخب والتيارات السياسية، فإن الأمر أكثر إيلاماً، فقد أضاع معظم هؤلاء مشروع الوطن، وأضاعوا بوصلة العمل الوطني القويم بسبب ضيق أفقهم والتهائهم بالصراع، فألغوا ثقافة الاختلاف واحترام الرأي الآخر، وتدافعوا إلى سباق محموم، سماته الإقصاء والوشاية واقتناص الفرص من منطلقات حزبية أو فكرية أو طائفية أو فئوية بالية، وكل يصوب سهامه تجاه خواصر الوطن، ظناً منهم أنهم يحققون مكسباً سياسياً بعضهم ضد بعض، والحقيقة أنهم يدمرون الوطن هدماً لقيم وطنية تفرح المتنفذين والفاسدين، وما أحوج النخب والتيارات السياسية إلى التعالي عن الخصومة، والارتقاء فوق المكاسب الآنية، فالوطن يسع الجميع، ومشروعه أكبر من اقتفاء سراب وهم الصراع.
وأما على صعيد مؤسسية الدولة ونظامها وسيادة قوانينها، فقد تم إفراغ المؤسسات وضعفت قدرات معظم أجهزة الدولة على الإنجاز وتأمين حاجات المواطنين بانسيابية ونظام، فظهرت المحسوبية وتفشت الواسطة وانتشرت الرشى، وصار المواطن بحاجة إلى الوسيط لبلوغ حقوقه، وذلك بيت الداء في تعطل ووأد مؤسسية الدولة، فغالباً ما سيطرت الشللية في المناصب والتعيينات، وأحياناً كثيرة أسند الأمر إلى غير أهله، وأقصي الأمين والمخلص، وقُدِّم المتزلف والضعيف، ففرُطت المسؤولية، ووهنت المواطنة والحس الوطني، فصارت الانتهازية وتحقيق مكاسب شخصية غاية بذاتها للكثيرين، ففقدت الجدية في التحصيل العلمي وفي أداء الوظيفة، وظهرت سلوكيات تدافع الحصول على كل ميزة بحق أو من دون وجه حق، وتسيّدت الأنانية على حساب الوطن، وطرب لذلك بعض المتنفذين، فتلك أدواتهم لتحقيق مآربهم.