أقلامهم

الصين العربية

“ماذا لو كانت الدول الإسلامية محكومة بشكل أفضل، لو كانت لديك صين عربية، حيث تحصلون على نسبة %15 نمواً على مدى ثلاثين عاماً، وأصبح الجميع أغنياء والأمور تسير قدماً بشكل متسارع؟ عندها أعتقد أن الناس سيشعرون بأنفسهم بشكل أفضل، وسوف يهتمون أكثر بأن يصبحوا أغنياء من أن يقلقوا حول هويتهم الدينية… وكنت أشعر دائماً، بمعنى من المعاني، بأن الكثير من الغضب الذي يدخل في التأكيد العدواني على هوية المسلمين إنما هو رد فعل على فشل التحديث الأوسع في المنطقة، ومن ثمة فشل النظام السياسي…”.

الفقرة السابقة كانت لفوكوياما من كتاب “الإسلام والحداثة والربيع العربي”، حاوره د. رضوان زيادة، ولا نعلم إن كان مثل هذا الكتاب المهم عُرِض في معرض الكتاب الأخير بالكويت، أم كان من المحرمات وفق معايير علماء وزير إعلام “جلال الدين الرومي”؟. الكتاب يناقش أزمة الحداثة (أو العصرنة) في الدول الإسلامية والعربية تحديداً. ويتساءل فيه المؤلف: لماذا تجاوزت معظم دول العالم مرحلة القرون الوسطى ودخلت عالم الحداثة بما يعني التصنيع والأنظمة السياسية الديمقراطية أو الأنظمة التي يمكنها أن تنهض بالتنمية ودولة القانون البيروقراطية مثل الصين ودول شرق آسيا بينما دولنا، على حالها القديم، هي أقرب إلى الحالة القبلية المشتتة المتنازعة من وضع الدولة- الأمة؟! هل الثقافة الإسلامية هي المانع أم أن السبب عجز العالم الإسلامي عن خلق ثورة تجديد في الفكر كتلك التي قادها مارتن لوثر، وولدت عصر الأنوار ثم الحداثة في أوروبا، وكانت هناك القطيعة مع الماضي المتخلف؟

لماذا هذا العالم العربي الإسلامي مبتلى بأنظمة ممعنة في سطوتها وفسادها عاجزة عن التغيير؟ وكيف يكون هذا التغيير؟ هل خلق قوانين جديدة تفرض من الأعلى ومستوردة من الخارج يعد كافياً، أم أن مثل تلك القوانين التحديثية ستصطدم بقناعات ومعتقدات وأعراف الناس، وسيكون مصيرها الفشل وهذا ما حدث لعدد من تجارب التحديث السابقة مثل إيران الشاه وغيرها؟!

يمر فوكوياما، في واحدة من محاضراته، سريعاً على دولنا الخليجية، ويقرر أن النفط مثلما كان نعمة على دوله كان أيضا نقمة “إذا نظرنا إلى الطريقة التي نشأت بها الديمقراطية بأوروبا، حيث جاءت نتيجة مقاومة السكان لفرض ضرائب من قبل الحكام السلطويين، ورغبة الناس أن تكون لديهم كلمة مسموعة… ففي حال كان لديك اقتصاد نفطي، فإنك لست بحاجة إلى أن تفرض الضرائب على أي أحد. أنت تقدم لهم المال فقط، وهم لا يطالبونك بالمسؤولية ويمكنك أن تشتري دعمهم ببساطة بتقديم إعانات مالية لهم”.

هناك الكثير من الأفكار يمكن مناقشتها من كتاب “الإسلام والحداثة والربيع العربي”، لكن يهمنا الآن بمناسبة وفاة الرئيس بوش، ما يذكره فوكوياما في إجابة له عن سؤال لرضوان زيادة بشأن “بوش الأب والنظام العالمي الجديد في الشرق الأوسط” الذي ردده الراحل في التسعينيات عند مرحلة تحرير الكويت، يقول الكاتب: “باعتقادي أن الذي جعل بوش الأب يتدخل لصالح الكويت في الوقت الذي لم يكن مهتما أبداً بالديموقراطية فيها أو في أي جزء من الخليج… هو أن لدينا مصلحة بالنفط والاستقرار . وفي هذا الصدد، أعتقد أن هناك شيئاً من الصحة فيما قالته كونداليزا رايس بأن هذا التقليد بإسناد مصلحتنا وسياستنا إلى الحكومات الدكتاتورية العربية لم يكن أمراً صحياً على المدى الطويل…”.

ليت “رئيس أميركا أولاً” قد استمع لنصيحة رايس وفوكوياما، ويا ليت الجماعة عندنا يكفون عن معاركهم الكبرى بشأن: هل يجوز الترحم على بوش النصراني أم لا يجوز؟!