تتسلل الأضواء الذهبية مع بزوغ الفجر لتتقدم أسراب النحل في يوم جديد متخللة أشجار الصفصاف نحو حقول الورد الملونة لتثير جلبة خفيفة تتدافع وتصطدم بحبات الندى لتتناثر أشبه بقطع بلور صغيرة شفافة على حواف أوراق الورد الخضراء.
هذا المنظر يبدو من بعيد كأنه شريط فيديو بطيء يلتقط صورا لنحلات تلاعب وردا وأخرى تراقص زهرا تارة وترتشف رحيقا وتارة أخرى تتقلب بين نسمات الصباح.
ويحدث في طريق العودة أن يتبدل المشهد كليا ويضطرب النحل ويحتشد عند مداخل مستعمراته وتعم حالة من التوتر والصمت والوجوم بعد الإعلان عن وفاة الملكة الأم أو ملكة النحل فتعم مظاهر الحزن أرجاء المستعمرة أي حوالي 100 ألف نحلة وتدخل في حالة فوضى مؤقتة.
ويكمل وصف هذا المشهد رئيس جمعية النحالين الكويتية توفيق المشاري لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الأحد قائلا “إنه وسط الحزن على وفاة الملكة الأم فإن السيناريو الأسوأ هو اختيار ملكة ضعيفة غير قادرة على السيطرة على المستعمرة مما يدفع الشغالات أو الوصيفات لتدبير عملية التخلص منها ورميها في الخارج وعليه يعم المزيد من الفوضى والانقسام أرجاء المملكة.
وأوضح المشاري أن البحث عن ملكة شابة قوية يصبح في هذا الصدد مسألة حياة أو موت ثم على شغالات الشمع أن يقمن ببناء عدد من الخلايا الملكية وتربية عدة يرقات ملكية في آن واحد وتلقيمها الغذاء الملكي.
وذكر أن الحظ يلعب دورا كبيرا في هذا الأمر فأول بيضة تفقس تتوج (ملكة عذراء) ثم تبدأ حملة تخدير وقتل جماعي لباقي الملكات اللاتي يخرجن للتو من البيوض وإذا تصادف خروج ملكتين في آن معا فإنه يحدث بينهما نزال تحضره حشود من الشغالات ينتهي بموت إحداهما.
وأضاف أن الملكة الجديدة يبلغ حجمها ضعفي حجم الشغالة وطولها 20 ملليمترا وتتصف بالهدوء والوداعة وتنتقل خلال ثلاثة أسابيع من الاستعداد والتجهيز إلى المقصورة الملكية في مراسم خاصة ومن حولها سرب من الشغالات للسهر على رعايتها وإطعامها من الغذاء الملكي الخاص بها فقط.
ولفت إلى أن “مراسم الزفاف” أو التتويج تنطلق بعد ذلك إذ تغادر الملكة المقصورة في يوم صحو وحولها أسراب من الوصيفات نهارا وتطلق أصواتا خاصة لتثير حماس الذكور وتنشر عطرها الملكي في أجواء المكان وتلحق بها أسراب من الذكور لتلقيحها.
وتابع أن الملكة تحلق بعد ذلك بسرعة كبيرة وكلما أوشك أحد من ذكور النحل على اللحاق بها زادت سرعتها وارتفعت بعيدا فتخور قوى الذكور ويتساقطون واحدا تلو آخر ولا يبقى معها إلا أشدهم قوة وجلادة فيلقحها وتنتهي مراسم الزفاف الملكي بعد حوالي 15 إلى 35 دقيقة من هذه المطاردة.
وأفاد المشاري بأن الملكة العروس تعود إلى مملكتها وتحمل بقايا “جثة” عريسها إن صح التعبير وتستقبلها الوصيفات عند مداخل المستعمرة بالرقص ويقدمن على تنظيف الملكة ويقدمن لها الغذاء ويؤمن لها الراحة بعد رحلة العناء لافتا إلى أنه في حال فشلت الذكور في ملاحقتها تعود الملكة وتبدأ المستعمرة بالتجهيز لزفاف ملكي جديد.
وبين أن الشغالات يقمن بعد تلقيح الملكة بتجهيز عيون شمعية جديدة استعدادا لوضع البيض فيها وتضع الملكة ما بين 1500 و2500 بيضة في اليوم الواحد في عيون خاصة من الشمع ويقدر عدد البيض الذي تضعه طوال عمرها بنحو مليون بيضة في فترة تمتد مابين خمس إلى ست سنوات.
وأوضح المشاري أن الملكة تضع نوعين من البيض أحدهما ملقح تخرج منه إما ملكات أو شغالات والآخر غير ملقح ويخرج منه الذكور مشيرا إلى أنها تقضي حياتها داخل الخلية ولا تخرج منها إلا في حالتي التلقيح أو التطريد.
وقال إن ظاهرة التطريد تحدث عادة في منتصف النهار إذ تغادر الملكة الخلية بصورة مفاجئة بعدما تضيق بسكانها ويصعب عليها وضع البيض لقلة العيون الفارغة فتغادر مع بضعة آلاف من الشغالات وعدد من الذكور بحثا عن مسكن جديد ليكون على الشغالات في الخلية القديمة تتويج ملكة جديدة.
وأضاف “الشغالات إناث عقيمة عددها يقارب 45000 داخل المستعمرة ولا يتجاوز عمرها ستة أسابيع وتقضي الأسابيع الثلاثة الأولى داخل الخلية في القيام بجميع المهام الموكلة إليها من تنظيف أما الأسابيع المتبقية فتعمل خلالها على جمع رحيق الأزهار وحبوب اللقاح.

 وعلى صعيد متصل وفيما يتعلق بجمعية النحالين الكويتية قال المشاري إنها تضم 350 نحالا مسجلا وهناك أعداد أكبر من خارجها تهتم بتربية النحل أبرزهم من العنصر النسائي إذ باتت هذه المهنة تستقطب اهتمام الكويتيين من الجنسين.
   وأفاد بأن الكويت تستورد سنويا زهاء 10 آلاف طرد نحل (حوالي 20 ألف نحلة) يتراوح سعر الطرد ما بين 15 إلى 20 دينارا كويتيا (نحو 50 إلى 66 دولارا) وذلك خلال فترتين وعلى مرحلتين الأولى خلال شهري مارس وأبريل والثانية خلال شهري سبتمبر وأكتوبر من كل عام.
   وأوضح أن كلفة خلية النحل كاملة مع النحل تتراوح ما بين 40 و45 دينارا أي (132 و 149 دولارا) وتنتج من ثلاثة الى خمسة كيلوغرامات خلال الموسم الواحد.
   من جهته أكد عضو جمعية النحالين الكويتية النحال عبدالعزيزالبرجس ل(كونا) أن النحالين الكويتيين جعلوا للكويت حضورا عالميا في عالم العسل وبصمة راسخة كما رسموا خريطة طريق لإنعاش سوق العسل الكويتي ليتصدر مراتب متقدمة.
   وقال البرجس  إنه على سبيل المثال فإن عسل (السدر) الكويتي حقق المركز الثالث عالميا في مسابقة العسل التي نظمها معرض العسل البريطاني في عام 2018 وذلك من بين 2051 عينة عسل بمشاركة 47 دولة كما حصد المركز الثاني في المسابقة نفسها لعام 2019 من بين 2100 عينة.
   وبين أن العسل الكويتي تفوق وحصد أيضا ميداليتين ذهبيتين في أول مشاركة له في مسابقة عالمية في سيول بكوريا الجنوبية في عام 2015 وحاز المرتبة الأولى وسط مشاركة أكثر من 100 دولة.
   وأضاف أن السر في جودة عسل النحل الكويتي يعود إلى أنه نتاج مرعى لمناطق الصحراوية وهي قليلة الرطوبة مما ينتج عسلا ذا جودة عالية لأنه يحصل على أفضل أنواع الرحيق بعكس النحل في المناطق الرطبة.
   وأشار إلى وجود ثلاثة أنواع رئيسية من العسل الكويتي هي (عسل السدر) و(الكينة) و (الصفصاف) مبينا أن النحالين الكويتيين بدأوا بتطوير سلالات نحل الجزيرة العربية القادرة على التأقلم مع طبيعة المناخ الكويتي وتحمل درجات الحرارة العالية.
   وأوضح أن إنتاج الكويت السنوي من العسل يبلغ من 25 إلى 35 طنا سنويا ويشكل الإنتاج المحلي من العسل تقريبا 25 في المئة من حاجة المستهلكين لذا تستورد الكويت باقي حاجتها من العسل من مختلف دول العالم مبينا أن سعر العسل الكويتي يتراوح مابين 10 و30 دينارا للكيلو الواحد اي حوالي( 33 دولار ونحو 100 دولار)
   بدوره كشف عضو جمعية النحالين الكويتية الدكتور عيسى العيسى ل(كونا) “أن للنحل لغة خاصة تتمتع بإيقاع تعبيري راقص فعندما تعود النحلة السارحة إلى الخلية بأخبار عن وجود رحيق أو حبوب لقاح أو ماء فإنها تقوم بالرقص التعبيري الذي يمثل لغة جسد تتواصل بها مع باقي أفراد الخلية إذ تهز جسمها يمينا ويسارا فترات محددة وبزوايا واتجاهات مدروسة لتحدد أفضل المناطق الرعي للعثور على الرحيق أو حبوب اللقاح”.
   وأوضح العيسى أنه من بين 100 نوع من المحاصيل الزراعية يلقح النحل وحده 70 نوعا منها موضحا “أن أزيز تلك الحشرة الصغيرة يعادل في السوق العالمي ما قيمته 200 مليار دولار”.
   وكشف أنه من المثير للدهشة أيضا أن النحل هو أول من استخدم في حروبه الخاصة مااسماه ب”الأسلحة الكيماوية” قبل البشر وذلك لخبرته بمعرفة أنواع الرحيق السام إذ يفرز عليه بعض الانزيمات ويرشها على الحشرات التي تهاجم خليته فتموت مختنقة.
   من جانبها قالت مراقبة البحوث والمشاتل الزراعية في الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية أمل عبدالكريم ل(كونا) إن إنتاج العسل في الموسم الربيعي هذا العام زاد مقارنة بالموسم الربيعي السابق “إذ بلغ الإنتاج في المناحل التابعة للهيئة 312 كيلو غراما في عام 2018 و408 كيلو غرامات في 2019”.
   وأوضحت عبدالكريم أن الهيئة أنشات أربع مناحل في مناطق مختلفة ب (أمغرة) و(العمرية) و(الرابية) و(الشهداء) في حين يتركز معظم مرعى النحالين في (الوفرة) و (العبدلي) و (الصليبية) حيث أشجار السدر والكينا والصفصاف والشجيرات الحولية.
   أما رئيسة قسم بحوث وقاية النبات في الهيئة الدكتورة فاطمة الكندري فقالت ل(كونا) إن الهيئة تضم نحو 175 خلية نحل ومتوسط عدد الخلايا من 6000 إلى 8000 طرد وكل طرد فيه 30000 نحلة مبينة أن متوسط إنتاج العسل من كل خلية يقدر ب 4 إلى 5 كيلوغرامات.
   وأوضحت الكندري أن النحل المصري الكربولي (هجين أول) يعد من أفضل أنواع النحل الملائم للبيئة الكويتية وهو ما يعتمد عليه النحالون في الكويت لافتة إلى أن بعض النحالين يستوردون أنواعا مختلفة من النحل الإيطالي والألماني والقوقازي.

   وأوضحت أن إنتاج العسل في الهيئة يتم خلال موسمين الأول فصل الربيع (فبراير- مارس) وينتهي مع ارتفاع درجات الحرارة في يونيو والثاني يبدأ مع انخفاض درجات الحرارة ودخول فصل الخريف في سبتمبر وينتهي في فصل الشتاء.